نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

القطُّ .. شُهرةٌ فنيَّة على الصّعيد العالمي
زوايا ثقافيّة

القطُّ .. شُهرةٌ فنيَّة على الصّعيد العالمي

القطُّ .. شُهرةٌ فنيَّة على الصّعيد العالمي

"تكريمًا للقطط".. للفنّانة السعوديّة تغريد البقشي التي تقدّر وجود القطط في حياتنا، وتنبهر بمدى رمزيتها لماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. خصّصت ضمن أعمالها مجموعة كاملة للقطط. اللوحة الفنيّة بإذن من الفنّانة التي افتتحت مؤخّرًا معرضها الخاص (مساحة تغريد للفنون).
 

بقلم ريم الغزال
April 7th, 2025
أصغر قطٍ هو تُحفة فنيّة،
- مقولة لفنان عصر النهضة ليوناردو دا فينشي.

لا شك أنّ القط الغامض هو سيد الوسطين الافتراضي والحقيقي.


أحيانًا ينشغل الناس بصديقهم - أو عدوّهم - الكلب، لكن القطط تهيمن على ثقافتنا العالمية من خلال الأعمال الفنّيّة، والصور، والرسوم التوضيحية، والمنحوتات، والأفلام، والعديد من أشكال التكريس والإعجاب بأفضل اللواحم على الإطلاق.

تقول الفنانّة السعوديّة المبدعة – تغريد البقشي: "إنّ القطط موجودة في كل مكان، محبوبة، وكانت مقدّسة في الحضارات القديمة. هي قريبة من منازلنا وفي الشوارع، لذا فهي دائمًا جزء من حياتنا... لقد كنت دائمًا مفتونة بالقطط"، حيث تُضَمِّن القطّة في أعمالها الفنّيّة بانتظام، وأحيانًا الأسد.
تعقّب بقولها: "توجد العديد من الأساطير والانطباعات المرتبطة بالقطط، حيث تعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. يرى البعض أنّها تعويذة للحظ السعيد، بينما يعتبرها آخرون نذير شؤم. لذلك تضمينها في قطعة فنية يمكن أنْ يلهم أكثر من 100 تفسير مختلف".
تضيف أيضًا: "لقد كانت القطط جزءًا مهمًّا من العديد من الثقافات والحضارات، وتمّ تصويرها كمنحوتات في الكهوف، وظهرت لها مومياوات في مصر القديمة، وحتى يومنا هذا، نحن مفتونون بها، ولا نستطيع إلّا أنْ ندمجها في فنوننا وحياتنا".


ما تزال القطط تتمتّع بسحر خاص يستمرّ في جذب انتباه الجمهور، من خلال الأساطير أو الفنّ أو السينما.
 

عندما يلتقي الضوء والطبيعة والفن: مجموعة "دوائر الضوء" للفنانة المرموقة من الشرقية تغريد البقشي، بإذن من الفنانة.

مؤخّرًا فاز الفيلم "Flow" – للمخرج اللاتيفي غينتس زيلبالوديس - بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم متحرّك في عام 2025، محقّقًا أول جائزة أكاديمية لأول فيلم متحرك مستقل يفوز في هذه الفئة.
يروي الفيلم البيئي قصة قطّة تجد ملاذًا على قارب مع حيوانات أخرى، تتعاون معًا بعد أن دمّر الفيضان منازلها، متغلّبة على المخاوف على الرغم من اختلافها.
يقول المخرج زيلبالوديس متحدّثًا لوسائل الإعلام: "تتغيّر شخصية القطّة في القصة إذ تبدأ حياتها مستقلّة للغاية، لكن بعد ذلك يتعيّن عليها أنْ تتعلّم الثقة بالآخرين، والتعاون معهم، بينما يسير الكلب في رحلة معاكسة، حيث يبدأ بكونه شخصية يمكنك الوثوق بها، لكنّه دائمًا يبحث عن شخص ما يُملي عليه ما يجب فعله، وفي النهاية ينجح في تعلّم الاستقلالية".


هذه القطّة المتحرّكة أسرت قلوبنا، كما فعلت غيرها من القطط في الكثير من أفلام الماضي، حتى عندما تكون على متن سفينة فضائية مع كائن فضائي مخيف. هل تذكرون (جونز)، القطّة البرتقالية في Alien عام 1979؟ من الواضح أنّ العديد من المشاهدين كانوا أكثر قلقًا على (جونز) من أفراد الطاقم البشري.


تحظى هذه القطّة بشهرة واسعة، حيث خُصّصت عدّة أيام للاحتفاء بها على المستوى الوطني والدولي، إضافة إلى العديد من المبادرات التي تُقام تكريمًا لها في مختلف أنحاء العالم.
 

عندما يلتقي الضوء والطبيعة والفن: مجموعة "دوائر الضوء" للفنانة المرموقة من الشرقية تغريد البقشي، بإذن من الفنانة.    
مشهد من فيلم الرسوم المتحرّكة "Flow"، حقوق الفيلم محفوظة.  

يقول الكاتب الإنجليزي تيري براتشيت: "في العصور القديمة، كانت القطط تُعبد كآلهة، ولم تنسَ ذلك أبدًا"، وعلى الرغم من أنّ العديد من قطط اليوم تعاني من الإهمال، وتُترك لتتدبّر أمورها بنفسها، فقد كانت في الماضي موضع تقدير من قبل شخصيات دينية وتاريخية بارزة.

 من بين هذه الشخصيات النبي محمّد، عليه أفضل الصلاة والسلام، وتوجد عدّة روايات غير مؤكّدة بأنّه كانت لديه قطّة محبوبة تدعى (معزة).

 تذكر إحدى القصص أنّه عندما أراد ارتداء رداءه للخروج إلى الصلاة، وجد قطّته نائمة على أحد أكمامه، وبدلًا من إيقاظها، قصَّ الكم، وتركها تنام بهدوء. في ما بعد قام بخياطته من جديد. كما يُعتقد أنّ النبي، حين كان يلقي الخطب في بيته، كان غالبًا ما يفعل ذلك وهو يحتضن قطّه في حجره.

أحد أصحابه المعروفين كان أبو هريرة، والذي يعني اسمه (أبو القطة الصغيرة)، وذلك لأنّه كان يحرص على حمل قطّه معه، ويطعم القطط الضالة حول المسجد. يُقال إنّ قطّة أبي هريرة أنقذت النبي محمّد من ثعبان.

 تتجلّى علامات الرّحمة بالقطط والرفق بها، والحيوانات عمومًا، في الحديث الشريف الذي يُروى كثيرًا عن امرأة دخلت النار، لأنّها حبست قطّة، فلم تطعمها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض، عن أبي هريرة، عن رسول الله، صلّى الله عليه، وسلّم قال: "دخلتِ امرأة النار في هرّة، ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت" – أخرجه أحمد في مسنده.

 ومن الحكام المسلمين الذين اشتهروا بحبّهم للقطط، السلطان المملوكي الظاهر بيبرس في القرن الثالث عشر، حيث أنشأ (حديقة القطط)، لتكون مأوى تجد فيه قطط القاهرة ما تحتاج إليه من طعام ورعاية.
 

أمّا في القرن الثاني عشر فقد أسّس حاكم بلاد الشام نور الدين زنكي وقفًا إسلاميًّا للعناية بالقطط العمياء، كما خصّص وقفًا آخر لرعاية الحيوانات المُسنّة، أو التي لم تعد قادرة على كسب قوتها.

 لطالما كانت للقطط علاقة مميّزة بأهل هذه المنطقة، فقد ورد ذكرها في الأدب العربي والإسلامي، كما احتلّت مكانة في أساطيرنا.

 من الأمثلة على ذلك قصيدة رثاء شهيرة من ستة أبيات نظمها شاعر بغداد ابن العلاف (توفّي عام 319هـ/931م) في قطّته التي قتلها جيرانه بعد أن أكلت إحدى حماماتهم. من الأمثلة الأخرى، ما جاء في كتاب "الحيوان" للجاحظ في القرن التاسع، عن القطة في شبهها بسيد السباع، وأحد الأساليب المتبعة في مواجهة الفيلة في الحروب، إطلاق الهررة من داخل الصُّرّة..

سواء كانت قطّة مرحة، أو مشاكسة، أو عدوانية، ستظلّ القطط تحتلّ مكانة بارزة في ثقافتنا وإبداعنا، تبهرنا وتلهمنا وتمتّعنا، دون أن تنطق بكلمة واحدة.

إعادة تعيين الألوان