التجلّي الفنّي بين وديان العلا
نوما: المراسم المنسيّة، عمل فنّي لسارة إبراهيم وأغو شييبي، مهرجان العلا للفنون. بإذن من الهيئة الملكية للعلا.
بكلّ تفاصيلها التي لا يمكن أن تُختصر، ما العلا إلّا متحف مفتوح في هذا العالم، يجمع ما بين الطبيعة الخام والتاريخ الضارب في العُمق. المتنزّه ما بين وديانها المنبسطة، وجبالها الشامخة، وصخورها المنحوتة بدقّة، يَشعُر بأنّه يسافر عبر الزمن إلى حضاراتٍ قديمة.. متتبعًا الخُطى، والشواهد. في كلّ أثرٍ ووادٍ، وصخرة نُحتتْ بيد الإنسان أو بفعل الرياح، هناك قصة تستحقّ أنْ تُروى.
أمّا اليوم فتمثّل هذه المدينة بطبيعتها الخلّابة وتاريخها الساحر، وتطورها اللامحدود وجهة ثقافية وتاريخية، بل وفنيّة أيضًا.. حيث تتماهى العناصر الحديثة فيها مع هويّتها الأصلية، فلا يكاد يُفرّق أحدنا بين ما سبق، وما هو حديث.. فلا تتوقّف علاقتها بالفنون بالآثار فقط، بل تمتدّ لتكون مصدر إلهامٍ للعديد من الفنانين المعاصرين. وهناك في زواياها الأثيرة تفاجئك بالفنّ الذي ينتشر في كلّ مكان!
احتفاءً بالفنّ الذي يُشكّل إحدى ركائز العلا وملامحها الرئيسية، أتى مهرجان فنون العلا -في دورته الرابعة- محمّلًا بالعديد من الأعمال الفنّية التي تُشكّل علامةً فارقةً في المشهد الفنّي العالمي؛ ففي وادي الفنّ قدّم المهرجان عددًا من المعارض الفنّية كرائد الفنانين في مجال الضوء والفضاء [جيمس توريل]، وفي معرضي «بيت الهمس» و«خواطر» خصّص مساحات لفنانين سعوديين للمشاركة الفاعلة في المشهدين المحلّي والعالمي مثل [طارق عطوي] و[مها الملوح].

وادي الفن، مهرجان العلا للفنون. بإذن من الهيئة الملكية للعلا.
أمّا ضمن احتفالية المراسم المنسية فعُرض عمل فنّي باسم «نوما» NUEMA، عن تعاون جمع كلًّا من الفنانة السعودية [سارة إبراهيم] ، والفنان الفرنسي [أوغو شيافي] . يتجلّى هذا العمل الفنّي بين المدينة الجنوبية الأثرية للمملكة النبطية التاريخية، وبين موطن مملكة دادان التاريخي، أشهر ممالك الجزيرة العربية، وأهمّها من الناحية التاريخية.

نوما: المراسم المنسيّة، عمل فنّي لسارة إبراهيم وأغو شييبي، مهرجان العلا للفنون. بإذن من الهيئة الملكية للعلا.
«فكما أنّ العلم يكشف لنا مضامين العالم، وينقلها إلى مجال المعرفة الموضوعية، فإنّ الفنّ يقوم بدورٍ مماثل، ولكن في مجال المضمون الوجداني للعالم»، كما كتب د. [عادل مصطفى] مرة. تخلق دلالة العمل في نفوس متلقّيها مشاعر وأفكارًا مختلفة، فلكلّ إنسان تأويله الخاصّ للعمل، فضلًا عن الرسالة التي قام لأجلها الفنانون بتطويع وسيلتهم للعمل الفنّي، أو «وساطته المادّية والفيزيائية» Medium بمصطلح فلسفي أدقّ. فالفنّ هو «نقل الروحِ عن طريق المادّة» كما يقول [سيلفادور دي مادرياجي]. فمن ناحية شخصية نقل العمل إليّ شعورًا بانعكاس الدرعية التاريخية بين حضارات العرب، بكامل تفاصيل الأزقّة وانحناءاتها بممرّات حيّ الطريف. الأكيد أنّ عمل «نوما» يثير في وجدان المرء انفعالًا استطيقيًّا -أو إحساسًا بالجمال- لتماهيها مع الطبيعة الجغرافية البهيّة لمدينة العلا، وهي لحظات تستحقّ أنْ يلوذ بها المرء من مشاغل الحياة بين الفينة والأخرى.

لقطة لمعرض "وادي الفنّ يقدّم جيمس توريل"، بإذن من الهيئة الملكية للعلا.
تختلف بطبيعة الحال سبل تأثّر الإنسان المعاصر بالفنون عن تأثّر إنسان الماضي بالفنون ذاتها، خاصة بعد التحول الكبير الذي انطلق مع الحركة الانطباعية -إشارة إلى لوحة شروق الشمس- التي يُعدّ مونيه [Monet] أهمّ مؤسّسيها، وحركة ما بعد الانطباعية التي كان بول سيزان يحرّكها في بدايات القرن الماضي. الأهمّ أنّ الفنان المعاصر لم يعد بحاجة إلى أساليب «التمثيل» الصادقة التي تعكس كلّ ما تصوره من طبيعة خلابة، أو ملامح الأشخاص البارزين في المجتمع. يتبع عمل «نوما» منهجيات حديثة ومتطورة في صناعة الفنّ الحديث، الأمر الذي ينعكس عن شراكة مهمّة وطويلة المدى بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية، لتعزيز التنمية المستدامة لمحافظة العلا، بهدف تحويلها إلى وجهة سياحية فريدة مع المحافظة على تراثها التاريخي، وإرثها الثقافي.

وادي الفنّ: نموذج تمثيلي. بإذن من استديو جيمس توريل والهيئة الملكية لمحافظة العلا.

مجموعة الهيئة الملكية لمحافظة العلا للفنّ المعاصر، بإذن من جيمس توريل. وتصوير كلٍّ من كيري رايان ماكفيت وفلايينغ استديو.

مجموعة الهيئة الملكية لمحافظة العلا للفنّ المعاصر، بإذن من جيمس توريل. وتصوير كلٍّ من كيري رايان ماكفيت وفلايينغ استديو.

مجموعة الهيئة الملكية لمحافظة العلا للفنّ المعاصر، بإذن من جيمس توريل. وتصوير كلٍّ من كيري رايان ماكفيت وفلايينغ استديو.