نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

الصورة السّابرة: تاريخ العمران وتفسير الطبيعة
ضيف العامود

الصورة السّابرة: تاريخ العمران وتفسير الطبيعة

الصورة السّابرة: تاريخ العمران وتفسير الطبيعة

العالم المذهل لأغلفة مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية، بإذن من رئيس التحرير حسين الموسوي.

بقلم حسين الموسوي
April 7th, 2025

"حسين.. أرى أنّك لا تشاركنا صورًا لمشاهد طبيعية من أسفارك"، هكذا يعلّق بعض أصدقائي كلما شاركتهم قصصًا عن المشاهد الحضرية التي أرصدُها خلال رحلاتي. لربما كانوا على حقّ في تساؤلهم هذا، ولكن لديّ أسباب لذلك، سأوضحها في ما يلي.

التاريخ والآثار والعَمارة والأنثروبولوجيا.. تلك عوالم ناشيونال جيوغرافيك، التي هي أيضًا جوهر اهتمامي وشغفي ومجال تخصّصي؛ لذا من الطبيعي أنْ أوثّق في أسفاري كلّ تجاربي الشخصية المتعلقة بها. وإذا ما تأمّلنا المجالات السالف ذكرها نجد أنّها جميعًا مرتبطة بالإنسان ومِن صُنعه سواء في الزمن القديم أو الحديث. لذا يكفي أنْ يتجول المرءُ في موقع أثري ولو فترة وجيزة، ليتمكّن من إدراك ماهية المكان، والإحاطة بشيء من تاريخه على الأقلّ. 

 لكنّ الأمرَ ذاته لا ينسحب تمامًا على الطبيعة، فقد أستطيع الإلمام بماهية مبنىً ما في زيارة واحدة، لأذهب بعدها مشاركًا بعض المعلومات المختصرة عنه، مثلًا من خلال التعريف بطرازه المعماري وإبراز بعض ملامحه الفريدة، إلّا أنّنا لا نَملك أنْ نشارك معلومات عن مشهد طبيعي إلّا بالخوض فيه واستكشافه؛ ذلك أنّ الطبيعة -مهما بدت ملامحها بسيطة كالصحاري مثلًا- مُركَّبة بشكل أعمق من كلّ ما يبنيه الإنسان.
 

قد يبدو كلامي ذاك مثاليًّا إلى حدّ ما، إلّا أنّي لا "أتذوق" الصورة الفوتوغرافية للطبيعية إلّا إن كان مُلتقطُها قد خاض في تفاصيل موضوعها كي يَنفذ إلى كُنهها، ويقتنص منظرًا يستحيل التقاطه في لحظة عابرة. ثمّ إنّ نشر هذه الصورة ومشاركتها مع الآخرين تستلزم إلمام صاحبها التامّ بخلفيتها المعرفية والجغرافية والعلمية، لإلقاء ضوء على الغاية من التقاطها. من هنا أعتقد جازمًا أنّ المرء لا يتمكّن من إبراز الطبيعة إلّا إنْ كان مستكشفًا لها. ولعلّ ذلك ما يجعلني أُكنّ احترامًا خاصًّا لمَن يمشون في الطبيعة، محترفين وهواة، فهُم لا يسلكون الطرق المختصرة للاستمتاع بمنظر خلاب، بل يخوضون غمار كلّ الدروب، السالك منها وغير السالك، ليتشرّبوا المعرفة من منابعها الأصلية، ويستمدّوا الطاقة الفيزيائية والروحانية منها، فتُثمر عدسات كاميراتهم لقطات لمشاهد تفيض عمقًا ودلالات من وحي الطبيعة الأمّ.

 ولقد دأبنا في مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية على مشاركتكم إبداعات المصورين العرب في شتى المجالات، ونطمح أيضًا لتأهيل جيل من المستكشفين الذين يجولون في كلّ أقطار عالمنا العربي ليشاركونا روائع تجاربهم بالكلمة والصورة. ففي ظلّ التقدّم المتسارع للأدوات المعرفية كالذكاء الاصطناعي، يزداد دور الاستكشاف أهمّية؛ إذْ لولاه لَما استطعنا سرد التجارب التي تُبرز ماهية كوكبنا، بروائعه التي وَجبَ الاحتفاء بها، ومشكلاته التي ينبغي لنا حلّها، ونفائسه التي علينا صونها. والصورة لها دور كبير في سبر تاريخ العمران وتفسير الطبيعة.

حسين الموسوي: رئيس تحرير مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية بالإنابة ومصور معماري.


 

إعادة تعيين الألوان