نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

وتحسب أنّك جرمٌ صغير..
فن الغلاف

وتحسب أنّك جرمٌ صغير..

وتحسب أنّك جرمٌ صغير..

عيون العنكبوت القافز مكبّرة بمقدار 5x. بإذن من مشعل الريحان.

بقلم حسن الباذر
April 7th, 2025
غالبًا ما تحمل أصغر المخلوقات مفاتيح حلّ أعظم الألغاز في أنظمتنا البيئية.
– ريتشل كارسون، عالمة أحياء بحرية وكاتبة أمريكية (1907 – 1964م)

قد لا يعيرها الناس أيّ اهتمام، بل قد ينفرون منها، ويتقزّزون. فلا بُدّ من عين ثاقبة ومتأمّلة لتقدير الجمال وبديع الخلق الكامن في هذه الكائنات الصغيرة، سواء كان ذلك في بُنية أجسامها، أو ألوانها، أو ملامحها الحادّة، أو تفاصيل دورة حياتها وسلوكها وهرميتها الاجتماعية.

فقد كان للحشرات دور عظيم في تقدّم الحضارات على العديد من المستويات، واستلهم منها الناس في نواحٍ مختلفة، في الخيال والأدب والتفوّق العلمي والتقني.
 

وللنظر إلى جمالها من قرب، بالأخصّ تلك التي تستوطن جزيرة العرب، حاورنا مصور الماكرو السعودي، والحاصل على العديد من الجوائز مشعل الريحان، الذي شاركنا بعضًا من أعماله الباهرة، وحدّثنا عن رحلته في تصوير الماكرو.

يتطلّب تصوير الماكرو الصبر والكثير من الدقّة، وقد يكون خطرًا أيضًا عندما تضطر إلى الخروج وتصوير الأهداف المتحرّكة، لكنك تنسى هذا كله فور الوصول إلى النتيجة النهائية. لا يقتصر الماكرو على جانب الفنّ والتوثيق، بل يمتد إلى مجالات أخرى كطب الأسنان والطب الشرعي وعلم الأرض.

شعرت أنّ تصوير الماكرو غريزةٌ جُبلتُ عليها، فقد انغمست به منذ البدء، ولم أصور صورًا اعتيادية. أردت إظهار عظمة الخلق ومشاركتها مع الجميع، وأن أقوم بذلك من خلال التركيز على الجمال الكامن في تفاصيل الحشرات
مشعل الريحان متحدّثًا حول اهتمامه بتصوير الماكرو.
مشعل الريحان، مصور الماكرو السعودي الحائز على العديد من الجوائز، وهو محاط بأدواته وعدساته، 2025. بإذن من مشعل الريحان. 

جرّب مشعل الريحان تصوير الماكرو للمرة الأولى في عام 2006م، وكان ذلك باستخدام نوكيا 6600 (الباندا)، الجهاز المتواضع بمقاييس اليوم، ولكنّه كان متطورًا آنذاك.

 حدث ذلك في مزرعة عائلته في الأحساء، عندما لمح ذبابة فاكهة بألوان خضراء بديعة، وقد حثّه والده على توثيقها. وقد أشار مشعل إلى هذه اللحظة عند سؤاله عن شرارة البداية مع عالم الماكرو، وأنّها ألهمته للتمسّك بفضوله وحبه للتفاصيل المعقدة. 

إلى جانب والده، وجد مشعل دعمًا كبيرًا من صديقه علي الرئيسي، عالم الحشرات ومتخصّص صحّة النبات في جامعة السلطان قابوس في عُمان،

الذي ساعده كثيرًا، ووفّر عمقًا أكاديميًّا لأعماله، فشعر مشعل الريحان، مدرّس مادّة العلوم لطلاب الابتدائية، بأنّ عالم الماكرو بتشعّباته به ما يرضي شغفه. 

"أحاول التقاط صور للحشرات التي أستطيع العثور عليها، فقد صورت ذات مرة أحد العناكب الذئبية لأكتشف بعد ذلك أنّ ما صادفته كان من الأنواع المهدّدة بالانقراض، ضمن فئة الخطّ الأحمر في موسوعة الأرشيف.

 هذا لا يعني أنني أبحث عن الغريب، بل توثيق الأنواع التي تبرز جمال الخلق، وتترك انطباعًا دائمًا لدى المتلقّي".
 

هل أوليت اهتمامًا خاصًّا للحشرات في جزيرة العرب، أم كنت مهتمًّا أكثر بالجانب الجمالي، وتباين الألوان؟

"لم أقتصر على المملكة، بل سافرت إلى الغابات في مناطق مختلفة مثل ماليزيا والهند وسريلانكا، وحصلت على العديد من العينات لتصويرها. وما ساعدني على التطور بسرعة هو حرصي على التواصل مع المحترفين المخضرمين والتعلّم من تجارب المصورين من مختلف أنحاء العالم مثل السويد وأمريكا وإسبانيا. كانت الكاميرات العادية قادرة على التكبير من 1x إلى 5x فقط، وعندما تريد أرقامًا أكبر، كان عليك العبث بالعدسات بنفسك، وإجراء عملية نسمّيها "الترهيم"، وهي تسمح للعدسات بتوسيع نطاق تكبيرها. كما كنت من أوائل من قدّموا جهاز "StackShot" إلى المملكة، وهو جهاز خاص لدمج الصور، يسمح بالتصوير عند 1 ميكرو (1 جزء من الألف من الملليمتر)، ثم يجب التقاط عدّة صور ودمجها في طبقات، تمامًا مثل التصوير الفلكي. كما تعلّمت كيفية استخدام البرامج المتخصّصة".

صورة كاملة لأحد الرعاشات الصغيرة، وهي بحجم 6 سم، المماثل لإبرة الخياطة. بإذن من مشعل الريحان.
لو لم يكن بهذه الصعوبة والتعقيد لما استمتعت به لهذا القدر.
مشعل الريحان حول شغفه بتصوير الماكرو.

وعندما سُئل عن معنى الفن بالنسبة له، وكيف يمكن أن نطلق على المرء لقب فنان، قال مشعل: "أرى أنّ الفنّ هو القدرة على نقل تجربة خاصة ومذهلة إلى الجمهور، الأمر بهذه البساطة، بالنسبة لي هذه هي قمة الإبداع.

 أن تكون قادرًا على التأثير في الآخرين بفكرة غير عادية، أو أن تنقلها لهم من الغيب إلى الشهادة. وبصفتي مصور ماكرو، أميل إلى التركيز على التفاصيل التي قد تكون لها تفسيرات مختلفة. قد تبدو مجرّدة في الوهلة الأولى، ولكنّها تصبح أكثر إثارة للإعجاب عندما يتعرّف المشاهد على أصل هذه الصور، ويقدّرها أكثر".

صورة مكبّرة بمقدار 5.8x لوجه الرعاش الصغير ذي العيون الخضراء. بإذن من مشعل الريحان.
حدّثنا عن الحشرات المفضّلة لديك، والتي تستوطن الجزيرة العربية.

"أحبّ الرعاشات مثل اليعسوب "Dragonfly"، واليعسوب الصغير "Damselfly"، لألوانها الجميلة، وشكلها الغريب، وقدرتها على الطيران والصيد على الرغم من ضعف نظرها.
وقد صورتها بوضعيات وألوان وأحجام مختلفة، وأذهلتني دقّتها، فهي صغيرة جدًّا، وتبدو مثل الإبرة الطائرة.
توجد في معظم مناطق المملكة وفي الأحساء، وتتركّز حول المسطّحات المائية، فهي تضع بيضها على الماء، ومنه تبدأ دورة حياتها.
وكذلك حشرة فرس النبي "Mantis" ذات الشكل الغريب والمخالب القوية، والتي تمكّنها حتى من اصطياد الطيور.

وجدت ذات مرة السمكة الفضّية "Silverfish"، أو ما يسمّى في تراثنا في الأحساء، سحيلة أمّ الخلاجين. وهي توجد دائمًا حول الملابس، أو داخل الخزائن التي تحتوي على أقمشة. وعندما وجدتها، قرّرت تصوير عينيها، وقمت بتصويرهما بتكبير يقارب 70x، وخرجت بنتيجة مذهلة".

سيان إن كان ذلك فطرًا يطلّ من خلف شجرة، أو "سحيلة أمّ الخلاجين" تختبئ في خزائننا، أو حتى العنكبوت الذي يتدلّى في غرفة نومنا ويحسبنا أخلّاءه، فإنّ الأعمال الفنية نظير ما يقدّمه المصور مشعل الريحان تذكّرنا بأنّ استشعار الجمال يتطلّب عينًا متأمّلة ومهيأة لالتقاطه أينما وُجد.
استمتعوا بالمزيد من أعمال المصور مشعل الريحان بالنقر [هنا]. 

صورة بتكبير5x على جزيئات رمل من منطقة الأحساء . بإذن من مشعل الريحان
إعادة تعيين الألوان