اللوحة الفنية بين طيّات الزمن
لوحة "Ve Cn Dot" 2025. زيت على قماش مطوي، 54 × 41 بوصة / 137.16 × 104.14 سم. تعرف هذه اللوحة لدى الكثيرين باسم "Rosie the Riveter"، وهي عمل للأمير والفنان السعودي سلطان بن فهد لتجسيد ناومي باركر فرايلي، الشخصية البارزة التي ساهمت في تحفيز النساء على الانضمام إلى سوق العمل خلال الحرب العالمية الثانية. تعكس اللوحة مساهمتها الثورية في تحدي الأدوار التقليدية للجنسين، لتكون رمزًا للإلهام للنساء آنذاك وفي أجيال لاحقة. ومن خلال تصوير فرايلي في سنواتها الأخيرة، يوسّع بن فهد أثرها ليتجاوز زمن الحرب إلى أفقٍ أوسع.
ماذا لو كان بإمكاننا العودة بالزمن وتغيير لحظة مصيرية في تاريخنا؟ ماذا لو نظرنا إلى شخصية مهمّة أصبحت رمزًا بطريقة مختلفة، وكبرت في العمر، ولم تعد تتوافق مع الصورة التي نعرفها عنها؟ ماذا لو لم تحدث لحظة معيّنة أبدًا، مثل سقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989؟ كيف ستبدو ألمانيا اليوم في هذه الحالة؟
إنّ الزمن مفهوم شائك تتنازعه تساؤلات: "ماذا لو"، وتتباين حوله الرؤى بين ما وقع، وما لم يقع، وتتشعّب فيه السرديات، وتتنوع زوايا النظر، حتى تغدو القصة النهائية لزماننا — بكلّ فصول تاريخنا — غير قابلة لأن تُختزل في رواية واحدة، أو تُنقش على صخر.
في سلسلة أعماله الأخيرة "Cncve" يستكشف الأمير والفنان السعودي سلطان بن فهد احتمالاتٍ متعدّدة لما كان، وما يمكن أن يكون، متأمّلًا هشاشة المادّة والوجود الإنساني، ومسار التاريخ الدائري الذي يعيد نفسه بأشكال مختلفة. من خلال أعماله يقوم بصياغة التاريخ بروح معاصرة، حيث تتقاطع النتائج الفعلية مع تصورات مستقبلية محتملة، تاركًا للمُتلقّي مساحةً للتأمّل في زوال الحدود بين الماضي والحاضر والمستقبل.
في حديث معها صرّحت ليلى هيلر مؤسّسة ليلى هيلر غاليري، والتي استضافت المعرض الفردي للفنان سلطان بن فهد بين 4 سبتمبر، و8 أكتوبر2025 في نيويورك، بقولها:
"نعيش اليوم مرحلة تتسم بالتحوّلات الكبرى في الشرق الأوسط وخارجه، ومعرض سلطان يأتي في لحظة بالغة الدلالة، إذ يسلّط الضوء على محطات حاسمة في التاريخ. إنّها سلسلة فنية رفيعة المستوى، نُفّذت بمهارة ودقّة، وتتمحور حول مفاهيم الزمن والتاريخ والذاكرة".
منذ تأسيسها في نيويورك عام 1982، رسّخت غاليري ليلى هيلر مكانتها عالميًّا كمركزٍ للفن والحوار الثقافي، إذ تعمل على مدّ الجسور بين الفنانين من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا والعالم الغربي، مع اهتمام خاص بإبراز أعمال رواد الفن الحديث والمعاصر.
اقتنت مؤسّسات فنية مرموقة أعمال الأمير والفنان سلطان بن فهد، من بينها متحف توليدو للفنون، والهيئة الملكية لمحافظة العلا، ومتحف جوجنهايم أبوظبي، ومتحف فلسطين، ومركز إثراء. تتنوّع أعماله بين التجريد والنحت والتركيب الفني، ويكمن في جوهرها تأمّلٌ في الروحانية والثقافة المادّية في المملكة العربية السعودية. تتمحور موضوعاته حول التكرار والصوت والحركة، مستلهمةً رموزها من الإسلام، لتبني جسرًا بين الماضي والحاضر. ومن خلال هذا التفاعل بين الزمان والمكان، يستكشف بن فهد تداخل الذاكرة والجسد، وما يظلّ ساكنًا في أعماق التجربة الإنسانية على الرغم من مرور الزمن.
ومن خلال مجموعته الفنية، يعيد الأمير والفنان سلطان بن فهد قراءة التاريخ وسرده من خلال الأشياء والصور، مسلّطًا الضوء على شخصيات محورية، ولحظات فارقة، فكلّ عمل فني لديه يستكشف العلاقة بين ما وقع، وما كان ممكنًا أن يقع، داعيًا المتلقّي للتأمّل في تساؤلات عميقة مثل: "كيف كان سيتغير مجرى التاريخ لو وصل شخص آخر إلى الحكم"؟ و"ما شكل العالم لو أخفقت عملية اغتيال محددة"؟
في مقابلة مع مجلة إثرائيات، تحدّث الأمير والفنان سلطان بن فهد عن رؤيته الفنية بشكل موسّع، وكشف عن الشخصيات التاريخية التي يتمنّى لقاءها لو أتيح له السفر عبر الزمن.

لوحة Oinbargo 2025، زيت على قماش مطوي، 54 ×41 بوصة / 137.16 × 104.14سم. في هذه اللوحة من سلسلة ‘Cncve’، للأمير والفنان السعودي سلطان بن فهد، صورة جانبية للملك الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله-. يركّز العمل على قراره التاريخي برفع أسعار النفط تجاه الولايات المتحدة، المعروف لاحقًا باسم "حظر النفط عام 1973"، وذلك احتجاجًا على الدعم العسكري لإسرائيل. ومن خلال استحضار هذا الحدث المفصلي، تدعو اللوحة إلى التأمل في طبيعة العلاقات بين الشرق الأوسط والغرب، وأثرها المستمرّ في السياسة العالمية اليوم.
الفن هو الحياة وهو الزمن. إنّه العالم المحيط بنا، تجاربنا الماضية، وآمالنا نحو المستقبل.
إنّ الهدف وراء فكرة سلسلة "Cncve" في مراجعة التاريخ والتساؤل حول هشاشته، وعدم ثباته. غالبًا ما نفترض أنّ الماضي ثابت، ولا يتغيّر، لكنّني أردت أن أتحدّى هذه الفكرة: ماذا لو لم تحدث أحداث معيّنة؟ ماذا لو سارت القصص بطريقة مختلفة؟ من خلال استعراض هذه الاحتمالات، وتقديم خيارات بديلة، تتشكّل رؤية جديدة لكيفية سير التاريخ، وما كان يمكن أن يكون عليه العالم. وقد تجسّدت هذه الأفكار في طيات اللوحات التي تكشف عن وجوه معروفة، وأخرى مجهولة، لتدعو الجمهور للتأمّل، وربط الوجوه بالقصص والتفكير في الإمكانيات غير المحقّقة للماضي.
يعدّ الزمن محورًا أساسيًّا في أعمالي الفنية، فهو الفن بحدّ ذاته، من خلاله نختبر العالم، لذا فهو بالنسبة لي وسيلة للتعبير عن الذات أيضًا، فالحنين إلى الماضي يمكن أن يكون وسيطًا فنيًّا بقدر اللوحات أو التركيبات. كلّ شيء مرتبط بكيفية رؤيتنا له.

لوحة "Lembeh" – 2025. زيت على قماش مطوي، x 36 30 بوصة. /76.2 x 91.44 سم، تُجسّد هذه اللوحة حقبة الوحدة التي حملها سقوط جدار برلين عام 1989، الحاجز الذي فصل بين برلين الشرقية والغربية لمدّة 28 عامًا. في هذه اللوحة، يستخدم سلطان بن فهد تقنية الطي المتكرّرة للقماش لاستكشاف التباين بين التاريخ النظري، والتاريخ الفعلي. تعمل الطيات كفواصل بصرية، تُقسّم اللحظة إلى سرديات متوازية، وتفتح المجال للتأمّل في احتمالية نتائج بديلة.
هناك بعض الفنانين مثل: جاكسون بولوك، ساي تومبلي، لويز بورجوا، وفرانسيس بيكون، إلى جانب آخرين.
كُفّ عن الشكوى والتبرير، وعبّر عن نفسك كما أنت، ولا تجعل هويتك تعتمد على تصورات الآخرين عنك.
لو كان بإمكاني لقاء أيّ شخص، ليوناردو دا فينشي سيكون أحدهم؛ فقد كان مبدعًا بذاته، وعمل على دمج تقنيات متعدّدة لابتكار لوحات سردية كلاسيكية مستوحاة من الكتاب المقدّس، وكان سابقًا لعصره في أسلوبه الفني، كما أنّ مايكل أنجلو يلهمني كراوي قصص؛ أسلوبه في سرد الحكايات عبر لوحاته في كنيسة سيستينا وغيرها مليء بالتفاصيل المدهشة التي أطمح لالتقاطها في أعمالي.
أفضّل أن أبقي ذلك مفاجأة للمستقبل، على الأقلّ في الوقت الحالي، لكن يمكنني الإشارة إلى أنّ المشروع الجاري تحضيره سيكون استثنائيًّا، ويحتوي على بعد موسيقي أيضًا.
مع كلّ ما يثيره من تأمّل، نأمل أن يستمتع القراء باكتشاف هذا الثراء الفني في أعمال الأمير سلطان بن فهد، وبما تثيره من تساؤلات واحتمالات تتجاوز حدود الزمن والفن.
اكتشفوا المزيد من أعمال سلطان بن فهد:

لوحة " Operatihengiz" – 2025، زيت على قماش مطوي، x 41 54 بوصة. /137.16 104.14 x سم. تصوّر هذه اللوحة إنديرا غاندي، أول رئيسة للوزراء في الهند والوحيدة حتى الآن، في سياق عملية جنكيز خان التي هدفت إلى مواجهة الضربات الاستباقية على القواعد الجوية الهندية. ويُنظر إلى تلك العملية بوصفها الانطلاقة الرسمية للحرب الهندية الباكستانية عام 1971، والتي انتهت بانتصار الهند، فيما تركت قرارات غاندي آنذاك أثرًا عميقًا غيّر وجه البلاد إلى الأبد. تُقسّم هذه اللوحة خيوط القرارات العسكرية وتُسلط الضوء على تداعياتها.

لوحة " Serpukho" – 2025، زيت على قماش مطوي،26 × 34 بوصة / 66.04 × 86.36 سم. يُصوَّر في هذه اللوحة ستانيسلاف بيتروف، المهندس في قوات الدفاع الجوي السوفيتية. لعب بيتروف دورًا حاسمًا في منع اندلاع حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي عام 1983. وقد أنقذت جهوده الشجاعة العالم من دمار شامل. غير أن طيات القماش في اللوحة تقسم صورة بيتروف، ما يطرح واقعًا افتراضيًّا حيث لم تنجح جهوده، وحلّت بالعالم كارثة مروّعة.

لوحة "One 2th" – 2025، زيت على قماش مطوي، 72 × 50 بوصة / 182.88 × 127 سم. يعيد هذا العمل بناء رسم أشيل بلترام لاغتيال الذي صوّر اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند. الحدث الذي أشعل الحرب العالمية الأولى وأعاد تشكيل الحدود الوطنية وأطلق سلسلة من التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العميقة والتي شكّلت ملامح القرن العشرين. تتأمل اللوحة كيف أن لحظة واحدة يمتد أثرها ليشكّل المستقبل، مشيرة إلى أن الحاضر سيصبح يومًا ما تاريخًا ينظر إليه الآخرون.

لوحة "Browd" – 2025. زيت على قماش مطوي، 54 × 41 بوصة / 137.16 × 104.14 سم. تصوّر اللوحة كلوديت كولفين، وهي شخصية رائدة في حركة الحقوق المدنية، نالت الاعتراف لشجاعتها في رفضها التخلّي عن مقعدها في الحافلة لراكب أبيض، وهو فعل تحدّ وقع قبل تسعة أشهر من موقف روزا باركس التاريخي. في هذا العمل يستخدم بن فهد المطوية لإخفاء جزء كبير من جسدها، تاركًا وجهها فقط ظاهرًا. يعكس هذا التعبير كيف أنّ مساهمتها، على الرغم من اختفائها جزئيًّا في السرد التاريخي، ما تزال حاضرة وملهمة في الذاكرة.

لوحة "ALO-PALESTINIAN" – 2025. زيت على قماش مطوي، 72 × 54 بوصة / 182.88 × 137.16 سم. تسجّل هذه اللوحة لحظة صياغة إعلان بلفور عام 1917 وتوقيعه بوساطة آرثر بلفور، والذي صادق عليه البرلمان البريطاني. شكّل الإعلان نقطة محورية في تقسيم فلسطين التاريخية، ومهّد الطريق لإقامة دولة إسرائيل. تعيد اللوحة تفسير قوة التاريخ وتأثيراته عبر الطبقات المتعدّدة للعمل، موضحة كيف يمكن للحظات مفصلية أن تشكّل مسار المستقبل.

لوحة "New X City" – 2025. زيت على قماش مطوي،54 × 41 بوصة / 137.16 × 104.14 سم. يمثّل شعار نيويورك أيقونة ثقافية وسياحية للمدينة. تصور هذه اللوحة الفنان ميلتون غلازر مع الشعار الذي ابتكره لشركة ويلز ريتش جرين، حيث يعيد العمل تقديم تاريخ التصميم الجرافيكي من خلال تفكيكه، وتحويله إلى عناصره الأساسية.
لاكتشاف المزيد عن جاليري ليلى هيلر، تصفّحوا موقعهم الإلكتروني من هنا.



