حكايات الخُبر المرسومة على القماش
مزيج من التراث السعودي والأسلوب الفني الكوري، عمل إبداعي للفنان كيم سنغباي. تصوير أكبر حسين.
في لقاء يجمع بين الثقافة والزمن، يروي الفنان كيم سنغباي قصة فنية تتجاوز الحدود، وتنتقل عبر الأجيال. منذ قدومه إلى الخُبر عام 1990، لم تكن رمال المدينة مجرد شواهد على مرور الأيام، بل كانت حاضنة لتأثير الثقافة السعودية، والتراث الكوري في رؤيته الفنية. في هذه الرحلة يستعرض كيم الحياة في الخُبر، فالتغيّر في إيقاعات المدينة، والامتزاج الفني بين ثقافتين مختلفتين يمنحان أعماله الحياة، والبعد الإبداعي المميز.

الفنان كيم سنغباي. تصوير أكبر حسين

كيم سنغباي في أثناء رسمه داخل المعرض. تصوير أكبر حسين
في عام 1978، كنت ما أزال في كوريا حين سمعت عن كثرة مشاريع البناء في السعودية والشرق الأوسط، التي كانت تغيّر معالم المدن، وتشيّد المزيد من الأبنية، والمراكز التجارية، وكان عدد كبير من المهندسين الأوروبيين والأمريكيين ينتقلون إلى هناك مع عائلاتهم، في مشهد يشبه ما يُعرف بـ "حمّى الذهب". ومع زيارة بعضهم لكوريا، اطلعت على فرص فنية، فبدأت العمل على عدّة لوحات مستوحاة من الثقافة السعودية اعتمادًا على الصور.
وبعد سبع سنوات، رغبت في رؤية السعودية بنفسي، وتجربة الحياة هناك من قرب، فقمت بجولة شخصية في البلاد. وفي عام 1990، زارني صاحب هذا المعرض في كوريا، وأخبرني عن فرص العمل للمهندسين في السعودية، مشيرًا إلى توظيف شركة أرامكو، وشجّعني على الانتقال لمزاولة فني، وعرض لوحاتي في السوق. وهكذا انتقلت إلى السعودية في فبراير 1990، ومنذ ذلك الحين أقيم هنا، قبل أن تلحق بي زوجتي وأطفالي الثلاثة بعد عام.
في البداية كنت أرسم اعتمادًا على الصور التي أمتلكها، أو التي تصل إليّ من الداعمين، ومع الوقت بدأت أزور مواقع مختلفة مثل المنطقة الصناعية في الجبيل، والمناطق التراثية في القطيف والأحساء، لألتقط صورًا من زوايا متعدّدة ساعدتني في التكوين الفني، وفتحت أمامي مساحات جديدة من الإلهام.
غالبًا ما أعود إلى الصور القديمة للمناطق في أعمالي، فبعض لوحاتي استوحيتها من صور تاريخية مثل شارع الملك خالد في الخبر الذي صُوّر عام 1943، أو من مشاهد جدّة القديمة. وأحيانًا أُدخل تعديلات في أثناء الرسم، كتغيير الألوان أو الأشخاص في الصورة.

شارع الملك خالد، الخبر في 1943، عمل فني لكيم سنغباي. تصوير أكبر حسين
أحيانًا أقوم بتغيير أسلوبي وأفكاري لإبراز أعمال جديدة، مستعينًا بتقنيات مختلفة مثل الألوان المائية، ومن الطرق التي أستخدمها مزج الطابع الكوري والآسيوي بموضوعات سعودية، وشرق أوسطية، بما في ذلك البورتريهات، القوافل، وأعمال فنية أخرى.
قبل أكثر من ثلاثين عامًا، كان التركيز الأكبر على الهندسة والبناء، بينما كان الاهتمام بالفن محدودًا. في ذلك الوقت كان معظم زبائني من الأمريكيين والأوروبيين، ولم يكن السعوديون يمثّلون سوى 5% إلى 10% منهم تقريبًا. اليوم تغيرت الصورة، فأصبح 80% إلى 90% من زبائني سعوديين. الجيل الشاب أبدى اهتمامًا أكبر بالفن، وخاصة بأعمالي، يرجع ذلك جزئيًّا إلى فضولهم تجاه هذا الفنان الكوري الذي جاء قبل أكثر من 35 عامًا، ويركّز في أعماله على المناظر والثقافة السعودية، ما يثير لديهم الفضول والإعجاب.
أحبّ الحياة الاجتماعية هنا في السعودية؛ الناس طيبون، الهواء نقي وصاف، والحياة بسيطة جدًّا. هذه البساطة منحتني المساحة للبحث والتعمّق، ما ساعدني على إنتاج لوحات تحمل مشاعر عميقة ومعبّرة.
لم أكن أتوقّع أن أبقى هنا أكثر من 30 عامًا، وأن يكبر أطفالي في هذه المدينة، لكن السعودية أصبحت اليوم وطني الثاني بعد كوريا. عندما قدمت إلى الخبر لأول مرة، كانت الحياة أبسط بكثير، والمدينة لم تكن مزدحمة بالسيارات كما هي الآن، ومع مرور الوقت، وظهور أجيال جديدة، وزيادة البناء، شهدت المدينة تحولات كبيرة. اليوم تبدو الخبر مدينة حديثة وكبرى مقارنة بما كانت عليه عند قدومي، حيث كانت هناك مساحات واسعة مهجورة.
كانت الحياة آنذاك مختلفة تمامًا؛ لم يكن هناك إنترنت، أو واي فاي، أو هواتف محمولة، كان الاعتماد على الفاكس والخطوط الأرضية فقط، حتى المطارات كانت محدودة، إذ كان مطار الظهران هو المتاح قبل افتتاح مطار الملك فهد الدولي في الدمام، كما كنت شاهدًا على إنشاء جسر الملك فهد الذي يربط السعودية بالبحرين.

فرسان السعودية، بتقنية فنية كورية، عمل فني لكيم سنغباي. تصوير أكبر حسين
كنت قد رسمت برج المياه في الخبر عام 2019، ومع مرور الوقت، وتجولي في المنطقة، لاحظت أنّ كلّ شيء يتغيّر باستمرار، حتى البرج نفسه. الحياة بطبيعتها متجدّدة ومتغيّرة دائمًا، لذا أشعر أنّ رسم هذه المناظر والمعالم يشكّل نوعًا من التوثيق لتلك اللحظات.
اليوم يعتمد الفن بشكل كبير على التكنولوجيا، ومع أنّ التكنولوجيا المتقدّمة غيّرت كلّ شيء، بما في ذلك طريقة عمل الأنظمة، فإنّها لا تستطيع تغيير الفن، ولا أن تحلّ محلّ الإبداع البشري.
بدمجه بين جذوره الكورية، وثراء الثقافة السعودية، استطاع كيم سنغباي أن يجد بيئة خصبة لأعماله الفنية، فشكّل من خلالها معالم إبداعه، وجوهر مدينة الخبر. ومن خلال رؤيته، نتعرّف على جمال المدن التي تتشابك فيها خيوط الماضي والحاضر والمستقبل، ورحلته الفنية تذكّرنا أنّ مرور الزمن لا يقتصر على عدّ اللحظات فحسب، بل هو سجلّ غني بالتجارب والقصص المتداخلة، كلوحة تنتظر أن تُملأ بألوان الحياة.
استمتعوا بالمزيد من أعماله الفنية الرائعة:

عمل فني لكيم سنغباي. تصوير أكبر حسين

عمل فني لكيم سنغباي. تصوير أكبر حسين

عمل فني لكيم سنغباي. تصوير أكبر حسين

عمل فني لكيم سنغباي. تصوير أكبر حسين

عمل فني لكيم سنغباي. تصوير أكبر حسين

عمل فني لكيم سنغباي. تصوير أكبر حسين

عمل فني لكيم سنغباي. تصوير أكبر حسين

عمل فني لكيم سنغباي. تصوير أكبر حسين

عمل فني لكيم سنغباي. تصوير أكبر حسين


