مساحة الفنان الآمنة
سكيتش ملون لمنظر طبيعي، بإذن من الفنانة.
إلهام الدوسري، بعدسة عبدالله الشهري
"تعلمت التشكيل بالطين بشكل ذاتي أثناء إقامتي الفنية في الريف الإسباني لتوفر الطين في الاستوديو. وارتبطت وجدانيًا بالطين والنحت مباشرة. وساعدني التشكيل بالطين على تطبيق مبدأ النسبة والتناسب في العمل الفنّي بشكل أفضل من عملية الرسم لتوظيف ذلك في الاسكتش، خاصة في البنية البشرية عند تشكيلي لعمل فنّي يسمى نفاه"، بهذه الكلمات استهلت الفنّانة إلهام الدوسري حديثها؛ لتعود بذاكرتها إلى تاريخ المجسمات التي أنجزتها وفنونها، عبر "مسودات" تحتفظ بها.
أنهت الدوسري دراستها في العلوم الإدارية وتخصصت في المحاسبة، إلى أن بدأت مشوارها الفنّي في التصميم الجرافيكي والكتابة، وفي بداية عام 2020 أكملت إقامة فنّية في إسبانيا شاركت بعدها في معارض محلية من تنظيم وإشراف هيئة الفنون البصرية والمجلس الفنّي السعودي وإقامة فنّية مع منصة وأرشيف صوت الصورة، إذ ترعرعت بفترة زمنية ثرية بالكاميرات والمواد التصويرية وأدوات النحت وهي فترة التسعينات، فتعلقت بعملها في التصوير والرسم والكتابة التي حاولت أن تقتطع لها النصيب الأوفر من وقتها الذاتي.
تجسّد عملها الفنّي في تمحيص المواضيع التي تشغلها بشكل عام أو في سياق معين لإقامة أو منحة فنّية ما، مدونةً أفكارها وتصوراتها لمضمون وشكل العمل الفنّي على مدى أيام أو أسابيع. حيث تبدأ بتجهيز مسوّدات عفوية وعشوائية لتأصيل الفكرة على الورق، فعند انتقال الفكرة إلى مسوّدة ملموسة، تبدأ في أخذها على محمل الجد، لأنها لم تعد مجرد فكرة تحتمل النسيان أو التجاهل. فهي تؤمن بأن المسوّدة هي المساحة الآمنة للاسترسال في أكبر وأصعب وأغرب الأفكار، قبل البدء في فرز وتشكيل وتحديد التوجّه الفني والتركيز.
بيت الجدة في التسعينات، بإذن من الفنان.
بعد البحث في الفكرة وأسباب انشغالها بها وربما سياقها في المجتمع، تنطلق بمرحلة البناء حولها وعند الشروع في إنتاج صورة العمل الفني النهائي، والتي كثيرًا ما تسبقها تصورات مختلفة للعمل، تختبر عدد من الأفكار في مسوّدات بهدف الوصول للصورة التي تكون الأصدق للعمل، أو الأوفى في إيصال المعنى للمجتمع أو المتلقي.
وحول توجّه الفنانين للاسكتش، ترى أنه مع ظهور الإقامات الفنّية المحلية، المنتهية بعرض أعمال الفنّانين للمجتمع، تقول: "أصبحنا نرى الأعمال الفنّية في طور تشكلها، فكثيرًا ما يستعرض الفنّانون مسوّدات مكتوبة ومرسومة سبقت أعمالهم الفنّية"، مضيفة: "أعتقد أنها ستداوي عزوفنا عن استعراض أي عمل غير مكتمل أو غير مُعد للعرض النهائي، وهاجس الكمال لدى الفنّان. كما أن توحيد جهود الفنّانين بشكل جماعي والتعلم من خبرات بعضهم بعضًا بشكل حيّ ومشاهدة تطور الرسم، يبشّر باحتمال زيادة الاهتمام بمسوّدات العمل الفنّي واقتنائها".
سكيتش عمل لحملة إعلانية لهيئة الطيران المدني، 2016، بإذن من الفنانة
تحتفظ الدوسري بقصّة تربط بين تاريخها الفنّي والاسكتش، فتقول: "بالتوازي مع فترة بحثي ومقابلاتي مع مشروعي الفنّي الصبابات، استغرقت ما يقارب أربعة شهور في عمل مسوّدات مختلفة لشكل العمل الفنّي المصاحب للورقة البحثية، قبل أن استقرّ على التصوير الفوتوغرافي للمشروع، وبقدر ما نوّعت وابتكرت في الخامات التي استخدمتها للمسوّدات،
بين الرسم بالرصاص والفحم والرسم الديجتال، والأقمشة والخيوط وغيرها، أدركت تنويعي وابتكاري في كيفية تشتيت نفسي عن تصويرهن، لما لذلك من صعوبة ومسؤولية ترددت فيها عن الإقدام على العمل، فعزمت أخيرًا على تصويرهن، واستمرت المسوّدات كدليل لآلية عملي كفنّانة أضعها في الحسبان بأعمال مستقبلية".
بعض من سكيتشات، بإذن من الفنانة.
بعض من سكيتشات، بإذن من الفنانة.
تختتم حديثها قائلة: "لدي الكثير من المسودات التي احتفظ بها ماديًا في ملفات وأدراج الاستوديو المنزلي ورقميًا على شكل نسخ في استوديو صور الحاسب المحمول والجوال وبرامج تقنية مطوّرة، لأنها ستجد طريقها في الفنّ لاعتبارها قاعدة ثابتة وعامود هام في البناء التشكيلي".
بعض من سكيتشات، بإذن من الفنانة.
بعض من سكيتشات، بإذن من الفنانة.