متعة رسم السكتشات
حبر على ورق، ناصر التركي، 2007، بإذن من الفنان.
يمتلك الفنان السعودي ناصر التركي حسًا فنيًّا فريدًا وحضورًا متميزًا في الساحة الفنية. خلال مسيرته الفنيّة الطويلة، قدّم العديد من اللوحات الكبيرة المليئة بالألوان والحركات بوساطة ضربات الفرشاة التي سمحت له التعمّق في الألوان وإيجاد طريقة لجعلها تضيء. ولكن ما يجهله البعض هو ان لديه مجموعة من سكيتشات الصغيرة باللونين الأبيض والأسود، التي لا تقل روعة عن لوحاته الفنّية.
يعتبر "سْكِيتش" عادة أنه لوحة سريعة وغير رسمية للحظات عابرة، ولكن ليس بالنسبة للتركي، فهو لا يستخدمها لتوثيق ما يراه، بل يستخدمها للتعبير عن مشاعره في تلك اللحظة.
عندما بدأ في الرسم السريع، كان يتدرب وهو محاط بالأصدقاء اللذين عادة ما يطلبون الاحتفاظ بلوحاته. أدرك ناصر التركي أنه بدأ بفقدان ذكرياته بإعطاء هذه الرسومات للآخرين، فقرر الاحتفاظ بمجموعة خاصة به لكل رحلة أو مكان يزوره، ويشارك الباقي مع المقربين له. بعض من هذه الرسومات رسمها في الاستوديو لتوثيق لحظة أو تاريخ معين. تركي يرى أنّ هذه سْكِيتشات هي تصوير وتوثيق لرحلة حياته، فعندما ينظر إليها يتذكر تمامًا متى وأين قام برسمها، والمشاعر التي كان يشعر بها أثناء رسمها. يصفها بأنّها " كصندوق الذكريات الذي يعيد لي مشاعر شعرت بها في لحظات معينة".
حبر على ورق، ناصر التركي، روما، 2008م، بإذن من الفنان.
حبر على ورق، ناصر التركي، شنغهاي 2010م، بإذن من الفنان.
عادة ما تُستخدم سْكِيتشات في صياغة الأفكار أو التحضير للوحات أكثر تعقيدًا، ولكن بالنسبة للتركي، خطوط الحبر البسيطة على الورق هذه تمثل قطع فنيّة متكاملة تحترم الضوء والظل والحجم والحركة، وتحمل في طياتها أنماطًا وتراكيب تجلب البهجة للفنان ومن حوله. يرافقه الرسم في رحلاته. فإن كان المكان صاخبًا، يعزل نفسه بين الخطوط والأشكال، ويصب مشاعره وقلقه على هذه الصفحات ليسلي نفسه ويدرب يده، والذي بدوره تحوّل إلى عادة وعملية تأملية. لطالما ما كانت المرأة هي محور رسومات ناصر التركي إثر أهميتها في حياته وأثرها على المجتمع. تمثّل المرأة في رسوماته رقّة الزوجة والأخت أو الأم والتي ترافق الإنسان عندما يكون بمفرده. فنان ينشر السعادة بفنه أينما كان سواء بالقلم أو بالفرشة.
عندما طُلب من التركي أن يقارن تجربته في سْكِيتشات باللوحات التجريدية الكبيرة، كان ردّه بأنه يتعامل مع الاثنين بشكل مختلف تمامًا، وخاصة في التكوين والخطوط. فالرسم السريع يتمتع بتعبير خفيف وبسيط وشفاف. كانت هذه سْكِيتشات شخصية، فالفنان رسمها لنفسه ولم يفكر بعرضها للجماهير أو مشاركتها أبدًا، حتى خاض معركته مع السرطان في عام 2015. في تلك الفترة كان ملاذه الفني الوحيد هو رسم سْكِيتشات بسبب عدم قدرته على إحضار اللوح والألوان لغرفة العلاج. كانت فترة صعبة وساعده الرسم على تخطيها. ومع أنّ النظر إلى هذه اللوحات يذكره بالمرض والإرهاق، إلا أنّه لا يتذكر سوى المتعة التي شعر بها أثناء رسمها.
كان التركي يرسم في ردهة المستشفى فاقترب منه فتى يبلغ من العمر 16 عامًا ليسأله عن رسوماته ويثني على عمله، وليطلب منه واحدة لأخته المريضة التي تهوى الفن والتلوين، رغبة منه في إدخال السرور عليها. قام التركي بإنهاء سْكِيتش الذي كان يعمل عليه وأهداه للفتى، وقدّم له بعض الأقلام والأوراق ليشجع أخته على الرسم أيضًا. هذا الموقف ألهم التركي لتعليق رسوماته على جدران غرفته في المستشفى ومشاركتها مع الجميع، وكان يسعده رؤية الأطباء حين يقفون أمامها قبل وبعد جولاتهم اليومية.
بدأ أيضًا بإشراك الممرضات والممرضين في فنّه، وتمت مقابلته في مجلة المشفى. رسوماته في تلك الفترة أضافت لمسات إيجابيه مملؤة بالبهجة والأمل.
وعلى الرغم من كون الرسم تجربة فردية، إلا أنها ساعدت التركي على الالتقاء بالعديد من الأشخاص أينما حل، وجذبت إليه الانتباه، وأثارت التعليقات والمحادثات. كما أنّه يحمل معه دفتر الرسم دومًا أينما يذهب، حتى وإن لم يكن معه، فسيكفيه منديل ورقي من مقهى، أو فاتورة ليكبح جماح الرغبة التي تأتيه للرسم، والتي قد تنتهي بالندم إن لم يستطع أن يوثق شعوره. ينوي التركي في إقامة معرض لسْكِيتشات في الرياض قريبًا.
غيداء المقرن هي مؤسسة حساب Culture crossroads على منصة الإنستغرام.