رسمة داخل رسمة
رسّام يجلس وبحوزته لوحة رسم. إيران، أصفهان، حوالي عام 1600. حبر وألوان مائية على ورق. بإذن من متحف آغا خان للفنون الإسلامية.
يا لها من قطعة فنيّة محيرة – رسّام يرسم رسامًا وهو يرسم! أم هل تكون هذه اللوحة محض انعكاس للفنّان وفنّه؟
لا نملك اليوم المعلومات الدقيقة التي تعرفنا بدافع هذه اللوحة الانطباعية الأخاذة، أو الرسّام الذي صوّر نظيره وهو يجلس القرفصاء منكبًّا على عمله. بعد أربعمئة عام مرت على هذه اللوحة ما زالت تجذبنا هذه اللوحة الجميلة بمشهدها المفعم بالحياة والعجب، مع أنّها رُسمت فقط بخطوط بسيطة وبعض من التظليل هنا وهناك.
ما يلفت النظر في الرسام الذي يجلس وحيدًا عمامته الكبيرة، والقرط في أذنه، وسترته المليئة بالأزرار، والوشاح المجمّع على الطرف بأناقة وتفاصيل مذهّبة. ولكنّه يبدو غير مبال ٍ بما يحيط به، فهو يصبّ كل اهتمامه على لوحة رسمه الفارغة، والتي وضعها على ركبته اليمين. فما الذي ينوي رسمه؟ وكيف؟
يده اليُمنى مرفوعة، دون أن يحمل قلمًا فهل سيرسم بإصبعه؟! أم بظفره؟! وفي الوقت آنه، يتجلّى جمال الطبيعة في كل مكان حوله، ومع أنّ اللوحة تمنح تلميحات فقط، إلا أنها تعطيه الكثير ليفكر فيه: الزهور التي تشبه السوسن ونبات الخطمية على الأرض بقربه، والأشجار القديمة بفرعيها المتشابكين واللذان يختفيان في أوراق الغابة – ويحملان أيضًا أغصانًا جافّة وميتة. وهناك فراشتان وعصفوران محلقة في الأرجاء، ولمحة من السماء بها غيمتان تشكلتا على هيئة لهب.
بغض النظر عن المعنى الأصلي لهذا العمل الفنّي، فإن جماله وغموضه ما زالا جذابين حتى يومنا هذا، مما يذكرنا بأنّ حتى أبسط الرسومات تمتلك المقدرة على فتح أبعاد للخيال والتفكير تتجاوز بكثير ما يمكننا رؤيته بالعين المجردة.
بقلم ضيف خاص دكتورة أولريك الخميس، المدير التنفيذي لمتحف «أغا خان» في تورنتو. في كل عدد من المجلة، نستعرض كنزًا فريدًا من متحف «أغا خان»؛ حيث يسرد حكاية ويقتبس إلهامًا يفتح أفقًا للتواصل.