البحثُ عن البهجةِ في الحَياة
انعكست السماء في بركة مملوءة بالمطر في شارع متشقق، بقلم هدى زعرب. بإذن من الفنّانة.
الفنّانة هدى زعرب
عندما يرى معظم الناس فقط المطر والأنقاض والتصدعات القديمة، ترى هدى زعرب الألوان والقوام والجمال.
بإعدادات كاميرا هاتفها فقط، ونظرتها الإيجابية للحياة، و"عينها الفنّية" للحصول على تفاصيل فريدة،
تلتقط هدى صورًا من حولها أينما كانت، وتجد الجمال في الأشياء العادية الصغيرة. ومع قليل من العمل على تباين الالوان الاصلية تحول صورها بابداع الى لوحات فنية خلابة، تعكس الجمال، لتكون مصدر إلهام للكثيرين بالرغم من الصراعات في وطنها لبنان.
تحاور إثرائيات هدى زعرب، وتكتشف المزيد عمّا يلهمها وكيف تجد الجمال في الأشياء الصغيرة.
معادن منقوشة ومنارة بأشعة الشمس في الشارع، لهدى زعرب. بإذن من الفنّانة.
س1. ماذا يعني لك الفنّ؟
أفضل ما يعنيه الفنّ لي هو ما عبّر عنه الأسطوري جبران خليل جبران، الذي قال ذات مرة: " ينشأ الفنّ عندما تتّفق الرؤية السريّة للفنّان ومظهر الطبيعة على إيجاد أشكال جديدة".
الفنّ هو طريقة مبتكرة للتعبير عن قناعاتنا وعواطفنا، ويساعد على إيقاظ النفوس النائمة. لذلك يعدّ التأمل في الأعمال الفنّية الجميلة للآخرين، وفهمها والاستمتاع بها فنًا من الإدراك بحد ذاته.
أقول دائمًا إنّني لا أستطيع العيش بدون الألوان والعطور والموسيقا الجميلة. أليست كلها جوهر الفنّ؟ الفنّ هو الاستمتاع بالحياة، حيث يكون في كل مكان. إنّه في يد موسيقي، أو رسام، أو نحّات، أو كاتب، أو نجّار، أو خيّاط موهوب، وما إلى ذلك. كل ما نحتاجه هو أن ننظر حولنا.
س2. أخبرينا عن هذا المشروع الفنّي الفوتوغرافي؟
في الوقت الحالي، أقوم بجمع صوري وأرشفتها رقميًّا، والحصول على صور جديدة كل يوم. نحن فقط بحاجة للنظر حولنا، وهذا ما أفعله بصبر وشغف. في مرحلة لاحقة سأعرض أعمالي على المعارض الفنّية ومصممي الديكور، فأنا أرغب في رؤية صوري وهي تزين الأماكن الجميلة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ إقامة معرض خاص بي والمشاركة في معارض جماعية أمران في الحسبان، ولكن ذلك يحتاج إلى شركاء تمويل.
س3. من وماذا يلهمك؟
أعتقد أنّ شغفي بالألوان والأشكال الجميلة والظلال أمر فطري أو وراثي، أو ربما يعود لوالدتي التي كانت خياطة وعلمتني كيفية تنسيق الألوان مع بعضها، ومطابقة النماذج والأشكال وتعديلها. يمكنكم أن تجدوا في خزانة ملابسي الألوان الجريئة؛ كالأحمر والأصفر والبرتقالي والبنفسجي. أريد أن تكون حياتي ملونة.
كما أنّ مصدر إلهامي هو بالتأكيد جبران. هو من يرى الخفي ويحثنا على أن نجد الجمال في جميع جوانب الحياة حتى في الأشياء الصغيرة بالرغم من الصراعات والتناقضات الي تعمّها.
قال: "من لا يرى الملائكة والشياطين في جمال الحياة وخبثها، يكون بعيدًا عن المعرفة، وروحه تخلو من المودة".
"أرض حديقة قديمة" تصوير هدى زعرب. بإذن من الفنّانة.
يكمن الجمال الذي أبحث عنه في فضائل جبران الروحية والمنطقية. واستجابة لدعوته أرى الجمال في داخلي أولًا، وفي الأشياء الصغيرة، وعندما أكون قادرة على تحويل الخفي إلى مرئي. وليصبح كل شيء ممكنًا، غالبًا ما أخرج للبحث عنه ألوانًا ألتقطها بعدستي،
على سبيل المثال في مسمار صدئ منقوش أو مرقط أو قطعة حديد في جدار رطب ومتعفن، وفي أشعة الشمس تخترق برك المطر في شارع مهجور، لتعكس الأشكال الجميلة كما لو كانت نجومًا تسطع في السماء.
كل هذه المواضع غير الملحوظة للآخرين، تشكل لوحات جميلة في ذهني أترجمها صورًا.
"رصيف قذر مغطى بالتربة والزجاج" تصوير هدى زعرب. بإذن من الفنّانة.
س4. أخبرينا كيف تجدين الفرح والسلام؟
الفرح والسلام مرتبطان ولديهما تجليات متعددة. يجب أن يكونا أولًا في ذواتنا، لأنّنا عندما نكون سعداء نكون مسالمين والعكس صحيح.
الكثير من الفرح نجده عندما نشاهد طفلًا يلعب، أو نتأمل قطعة فنّية فريدة لفنّان مبدع، أو نتمايل على لحن الموسيقا مع أحبائنا احتفالًا بمناسبة سعيدة.
وأيضا عندما أتجول في أزقة بيروت الضيقة بالرغم من آثار الحرب التي لا تزال ظاهرة في الجدران المحطمة والممزقة بالرصاص، والأرضيات المتصدعة وغير المعبدة، والحفر المملوءة بمياه الأمطار أو صنبور الماء المكسور، يظل بإمكاني العثور على مواضع نابضة بالحياة ومظللة وممتعة لألتقطها بعدستي لتكوين صور جميلة أشاركها مع من أحبّ والعالم.
"جمال تعيقه الكابلات، يعكس الأزمة في لبنان الجميل" تصوير هدى زعرب. بإذن من الفنّانة.
س5. ما هو الشعار الذي تعيشين به؟
أنا أؤمن برؤية النصف الملآن من الكأس. متفائلة دومًا، وأحاول أن أكون ذات تأثير إيجابي على من حولي.
"أحجار ملونة على الأرض تشكل شكل طائر" تصوير هدى زعرب. بإذن من الفنّانة.
س6. أخبرينا عن بعض الفنّانين المفضلين لديك ولماذا؟
هم كثيرون في الواقع. وإذا كان عليّ تسمية فنّان واحد، فسأسمي جبران. لأنّني أثق في مبادئه النبيلة. أنا متأثرة به ويلهمني جمال ونبل رسائله التي تنكشف من خلال فنّه المرئي والمكتوب، رسائل تدعو إلى الحكمة والوعي والتوازن المطلوب في جميع الأوقات.
نحن نعيش في عالم يفتقد فيه العدل والسلام والاتحاد، لذلك نحن مدعوون لقراءة جبران. عالمنا مليء بالغضب والتفكك والفساد والارتباك والفوضى، فلنتجاوب مع توسلات جبران الصادقة لرفض الحواجز التي تفصل بين الأمم والأفراد وللتوفيق بين العقل والعاطفة، وتحقيق التوازن بين التوجيه المادي والروحي للحياة.
نأمل أن نرى فنّ هدى في المعارض قريبًا، كجزء من كتاب الفرح، لمن حولها، وأي شخص يتصادف أنّه بحاجة إلى ابتسامة في يوم صعب خاصّة.
