الدكتور عبدالعزيز الدقيل، مدرس في جامعة الطائف، وفنّان تشكيلي مختصٌّ في العلاج بالفنّ. بدأ رحلته كمعلم فنون لذوي الاحتياجات الخاصة، ثم تخصص في مجال العلاج بالفنّ بعد دراسته واهتمامه بجوانب الفنّ العلاجية والتأهيلية، وتأثيرها الإيجابي على الحالة النفسية لممارسيها. حيث نشر العديد من الأبحاث التي تؤكد على أهمية الفنّ التشكيلي في علاج ذوي اضطراب التوحد من خلال تنمية التواصل البصري والإجتماعي لديهم.
شارك د.عبدالعزيز في العديد من المعارض المحلية والعالمية التي عرض فيها لوحاته ذات الطابع التجريدي بأسلوب متفرِّد يقدم بها الفنّان قصة في كل زاوية.
تقدِّم إثرائيات حوارًا مع د.عبدالعزيز حيث يعرفنا بهذا المجال بشكل واسع ويكشف لنا عن رحلته في عالم الفنّ وعن المعارض التي يقيمها حاليًا.
س1: في البداية، ماذا يعني لك الفنّ؟
الفنّ بالنسبة لي سعادة: في الممارسة، في التغذية البصرية، في الإدراك في أعماق الشعور. في الآونة الأخيرة عند ممارسة الرسم كنت أصور بسنابي واضعًا هشتاق #الفنّ_سعادة، وعرف من حولي والمقربين هذا الهشتاق والحالة الشعورية التي أعيشها، والتي تمتد أحيانًا لساعات دون الشعور بالملل أو التعب، السعادة التي أشعر بها تؤكد لي أنّ كلّ فنّان وهو يمارس فنّه يشعر بالسعادة وتستمر بعد إنجاز عمله الفنّي، وإن كان قد بدأ العمل به وهو يشعر بالضيق. والفنّ سعادة بشكل عام لكل متلقٍ، سعادة بصرية من خلال الشعور بالمدلولات البصريّة والألوان، وسعادة في الشّعور والإدراك إذا تأمل العمل الفنّي وفهم الرسالة الضمنية وكيف استطاع قراءة العمل.
س2: ماذا يعني مصطلح "العلاج بالفنّ"؟
العلاج بالفنّ (Art therapy) يوجد له عدة تعريفات متنوعة ومنها تعريف الجمعية الأمريكية للعلاج بالفنّ (American Art Therapy Association)، وهو: (استخدام علاجي من صنع الفنّ، ضمن علاقة مهنية، من قبل الناس الذين يعانون من المرض، أو الصدمات النفسية، أو التحديات في المعيشة، أو الناس الذين يبحثون عن التنمية الشخصية، من خلال ابتكار الفنّ وانعكاس آثاره على المخرجات والعمليات التي ينتجها، ويفيد العلاج بالفنّ في زيادة الوعي الذاتي، والتعامل مع الأعراض، والإجهاد، والتجارب المؤلمة، وتعزيز القدرات المعرفية، والتمتع بمباهج الحياة)، وتعرفه رابطة الفنّ البريطانية (The British Association of Art) بأنه: (العملية التي تنطوي على استخدام المواد الفنّية مع فرد أو أفراد في عمل جماعي، يرتبط فيها المعالج الفنّي مع الشخص، بهدف التواصل وفهم بعضهما بعضًا).. ولعلي أختصر للقارئ المصطلح أنه: عمليات علاجية بالفنّ التشكيلي تعتمد بشكل عام على استعمال النشاطات والمجالات التشكيلية للوصول بالمستفيد إلى الحلول المناسبة لمشكلاته النفسية وفتح المجال أمامه للتأقلم معها، وتعلم بعض الأساليب التشكيلية التي تساعده على السير في حياته سيرًا يناسبه.
س3 - أخبرنا عن رحلتك في هذا المجال، ولماذا اخترته؟ وكيف كانت دراسته؟
رحلتي بدأت من عام1997م تقريبًا حيث كنت أعمل في مجال تدريس الأشخاص ذوي الإعاقة كمعلم فنون وكيفية التواصل معهم من خلال الفنّ، وأثناء عملي وبعد العديد من الممارسات والقراءات أدركت أن الفنّ ليس نشاطًا ترويحيًا وإنما له العديد من الجوانب العلاجية والتأهيلية، وأصدرت كتابًا في عام 2008 عن التربية الخاصة من منظور التربية الفنّية (حقائق وتجارب)، وفي نفس العام تابعت دراستي العليا في هذا المجال، وأكملت الماجستير في التربية الفنّية لعدم وجود تخصص يجمع بين الفنّ والتربية الخاصة، وبحكم خبرتي التي عملت فيها مع التوحديين، قدمت بحث تطبيقًا في العلاج بالفنّ مع طالب توحدي (دراسة حالة)
لعبة الحياة، 2022. بإذن من الفنّان.
وكيف غير الفنّ في حياته، وأكملت رحلة البحث عن العلاج بالفنّ بشكل عام ومن ثم حصلت على دبلوم العلاج بالفنّ (250 ساعة تدريبية نظرية وعملية من بيت الخبرة العلاج بالفنّ التشكيلي التابع لمركز الملك عبدالله للبحوث والدراسات بجامعة الملك سعود والذي يشرف عليه استشاري العلاج بالفنّ د.عوض اليامي)،
ثم تابعت الدكتوراه في فلسفة التربية الفنّية، وقدمت رسالة الدكتوراه في تطبيقات علاجية مع الأطفال ذوي التوحد من خلال إعداد برنامج علاجي باستخدام النسيج، وقد أثبتت التجربة معهم فوائد العلاج بالفنّ، وحاليًا أحمل درجة الأستاذ المشارك في العلاج بالفنّ التشكيلي بفضل الله وتوفيقه.
س4 – متى بدأت في مجال العلاج بالفنّ التشكيلي؟ وهل لاحظت تغيرًا في انطباعات الناس لهذا المجال؟
كما ذكرت سابقًا بدأت بطريقة عملية قبل إكمال الدراسة والدورات، وبعد الحصول على الدكتوراه استكملت نشر الوعي بهذا المجال في مجموعة من البرامج التدريبية، والورش، والمؤتمرات العلمية في العلاج بالفنّ، وتقديم الاستشارات. ومن خلال الملتقيات الكثيرة التي قدمتها لاحظت تباينًا في انطباعات الناس بهذا المجال منهم المدهوش والمستغرب من قدرة الفنّ على العلاج والتأهيل، ومنهم الذي يطلب المساعدة بشكل مباشر كتحليل الرسوم الحالية له أو لأطفاله، لكن بالمجمل هناك نسبة وعي كبيرة بالعلاج بالفنّ التشكيلي وأهميته.
في عام 2020، قدمت محاضرة عن العلاج بالفنّ التشكيلي في مستشفى الصحة النفسية في الطائف، ويعد من أكبر المستشفيات النفسية على مستوى الوطن العربي، حضرها طاقم كبير من المستشفى من الاستشاريين النفسيين والأطباء والأخصائيين والكادر الطبي والإداري، حيث أقروا بعد نهاية المحاضرة أهمية هذا المجال وأهمية وجوده في المستشفى ضمن فريق العمل وبرامج العلاج.
لقاءات، أكريليك-كانفاس، 120*150 سم، 2019، بإذن من الفنّان.
س5 – هل هناك أنواع للعلاج بالفنّ؟ وما هو النوع الأكثر فعالية في المملكة العربية السعودية؟
يقدم العلاج بالفنّ فرصًا للتعبير والتواصل غير اللفظي، فمجال العلاج بالفنّ عالم كبير وواسع كمصطلح (Art Therapy)، والعلاج بالفنّ التشكيلي وإن تعددت اتجاهاته مثل: "سيكوديناميكيا" أو العلاج الفنّي الابتكاري، أو العلاج المعرفي السلوكي بالفنّ التشكيلي أو تعددت أنواعه الموجه وغير الموجه منها، فإنها تسعى لهدف واحد بوصفه طريقًا إصلاحيًا للمشاكل الانفعالية ويعزز الوعي الذاتي والنمو الشخصي، ولا يمكن أن نحكم بنوع أكثر فعالية لأنها مرتبطة بحالة المستفيد ونوعه.
س6- أخبرنا ما هي الألوان الأكثر فعالية في العلاج بالفنّ ولماذا؟
تشير العديد من الدراسات والمؤلفات في أن للون قوة؛ إنه ينشط أو يهدئ، يثير أو يسكن، يُشعر بالحر أو البرد، يزعج أو يفرح، يولد الإحساس بالشغف أو يرفع المعنويات، وفهمنا للألوان يعطي بعدًا آخر لوعينا، وقد تسمى الحياة الخالية من المشاعر (لا لون لها).
وهناك مسار يسمى العلاج بالألوان ولكن ليس هناك لون أكثر فعالية في العلاج بالفنّ بشكل عام، أو هناك لون محدد، ولكن تبقى للألوان تفسيراتها ورمزياتها التي نعمل عليها، ونحرص على الكشف عن مدلولاتها في جلسات العلاج بالفنّ التشكيلي، حيث نبحث عن المشاعر والمواقف والصدمات الدفينة في اللاشعور والتي يمكن أن تكتشف من خلال ممارسة الحالة، وتفضيل لون على آخر.
س7– من هي أكثر فئة تتواصل معك لأخذ جلسات علاج بالفنّ؟ الفئة العمرية؟ الجنس؟... إلخ
العلاج بالفنّ التشكيلي مهم لجميع الفئات، ولجميع الأشخاص والأعمار، وللجنسين، لما يقدمه من خدمة يحتاجها الجميع، سواء نفسية أو تأهيلية أو علاجية وذلك بحسب نوع المستفيد، ولكن من خلال التجربة الطويلة في هذا المجال هناك انجذاب أكبر وطلب من الإناث، وعدم ممانعة في ممارسة الأنشطة، أما الفئة العمرية فحسب الحالات، ونسبة الأطفال أكبر، أما الكبار تختلف النسب بحسب المنطقة والثقافة السائدة، في اللقاءات الجماعية والمفتوحة غالبًا ما تكون المشاركة فيها بدون قيود، وقدمت العديد من الورش ومنها ما أقيم في اليوم العالمي للصحة النفسية 2021 حيث قدمنا لقاء وورشة تفاعلية شارك فيها فئات عمرية مختلفة من 16 إلى ما فوق الـ 50 سنة، وكان تفاعلهم رائعًا جدًا.
س8 - ما النصيحة التي تقدمها لمن يرغب في دخول هذا المجال؟
أجد إقبالًا لا بأس به للدخول في هذا المجال واستفسارات مستمرة سواءً في الدورات أو على حسابي على تويتر، أو بعد المحاضرات العامة، كونه مجالًا فريدًا وشيقًا، والنصيحة لمن يرغب الدخول لهذا المجال أن يكون جادًا وصبورًا ولا يكتفي بقشور المعرفة أو الدورات البسيطة أو النظرية، فالممارسة هي الأهم. مجال العلاج بالفنّ التشكيلي عالم ممتع، لكنه يحتاج الصبر والتأني والمعرفة العميقة، والتجديد المستمر في المعلومات والبحث الذي لا يتوقف.
س9- أنت أيضًا فنّان تشكيلي مبدع، نود أن نعرف ما هي الموضوعات التي تحب استكشافها ورسمها في فنّك؟ وما هي لوحتك المفضلة؟
أمارس الفنّ منذ عام 1993، ولكن بدءًا من عام 2010، وجدت في الفنّ التجريدي بُغيتي وشغفي واستكشاف لعوالم خفية في المتلقي للعمل الفنّي، وسعيت لإيجاد أسلوبي الخاص، وأعمل على موضوعات تلامس المشاعر ومواقف الحياة، وتكون محملة بمضامين ورسائل نوعية، والذي أثبته خلال مشاركاتي المحلية في أكثر من 60 معرض جماعي، والمشاركات الدولية في كل من كندا ومصر والمغرب والأردن
تجلي، 2022. بإذن من الفنّان.
أما لوحاتي المفضلة هي ما عرضته مؤخرًا في معرضي الشخصي الذي كان بعنوان (صمت الحكايا) والذي جمع بين كوني مختص بالعلاج بالفنّ التشكيلي ودوري كفنّان تشكيلي
وبعد المعرض أنتجت أعمالًا بأسلوب جديد ومبتكر مع الحفاظ على هويتي الفنّية، وأعتقد أن عملي الأخير الذي أنتجته في أكتوبر 2022، وأطلقت عليه عنوان (لعبة الحياة) هو من أفضل لوحاتي حاليًا، لما يحمله من مفاهيم عديدة استطعت اختزالها في عمل فنّي واحد.
س10- ما هي قاعدتك في الحياة؟
الحياة تحدٍ مستمر وعلينا أن نعيش التحدي مع الاستمتاع معًا، بالإضافة إلى أهمية التجدُّد المستمر والسّاعي للتطوير في كل مراحل الحياة مع الصّبر والتّحمل، وأتمثل قول الشاعر:
لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه... لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا
والحياة دون طموح أو تجدُّد أو إنجازات، تكون مملة باهتة، تكرار للأيام والأسابيع والشهور والسنوات دون حياة فعلية.
لعبة الحياة، 2022. بإذن من الفنّان.