جداريّاتُ الأملِ والألوان
عمل جويل مع أفراد المجتمع من جميع الأعمار في بوليفارد هاوسز في شرق نيويورك لإنشاء هذا الاحتفال لثلاثة أجيال من العائلة. اللوحة بإذن من الفنّان.
بفرشاته وألوانه الزاهية، يقدم جويل بيرجنر - المعروف أيضًا باسم جويل أرتيستا - لوحات جدارية مؤثرة على نطاق واسع، بمساعدة الشباب والجاليات في جميع أنحاء العالم، لزيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية. عمل في أكثر من 30 دولة في تلوين ورسم الجداريات في عدة أماكن، مثل: مخيمات اللاجئين السوريين لابتكار مواقع زاهية، لمن هم في أمس الحاجة إليها. يهدف عمله إلى توفير وخلق مساحات مفتوحة للشباب المحرومين في الملاجئ ومعسكرات الحرب، للتعريف بحكاياتهم الخاصة، وبناء قدرتهم على التكيف، والتعبير عن أنفسهم.
ونظرًا إلى القوة العلاجية للفنّ، فإن هذه المشاريع تعدُّ متنفسًا للأطفال الذين يعانون من الصدمات، مما يسمح لهم باستخدام أشكال أخرى من التعبير عندما تعجز الكلمات والحروف عن التعبير والقيام بالمهمة.
كذلك يعتبرُ بيرجنر أحد مؤسسي المنظمة غير الربحية Artolution، والتي تهدف إلى دعم وتدريب فرق من الفنّانين المحليين لتسهيل برامج الفنون التربوية التعاونية في المجتمعات المتأثرة بالأزمات.
الفنّان جويل بيرجنر في كالي، كولومبيا. تصوير: الفنّان.
عمان، الأردن، 2017. اللوحة بإذن من الفنّان.
س1: ما الذي يعنيه الفنّ لك؟
أنا مهتم جدًا بصناعة الفنّ التشاركي حيث يجتمع أشخاص من ثقافات متنوعة، غالبًا ما يكون لديهم القليل من الخبرة الفنّية السابقة، لسرد قصصهم الخاصة والتعبير عن أنفسهم معًا بشكل إبداعي.
مخيم الزرقاء للاجئين السوريين، الأردن، 2019: تعاون "لا يزال هناك أمل في الحياة" مع فريق الفنّانين السوريين وأطفال محليين. Artolution بالتعاون مع اليونيسف، اللوحة بإذن من الفنّان.
س2: هل لك أن تحدثنا عن خبرتك، وكيف بدأت كفنّان؟
لطالما كنت دائمًا مهتمًا بالفنّ منذ صغري، كنت أرسم خربشات ورسومات كاريكاتورية صغيرة. ولما صرت مراهقًا، أصبحت أكثر جدية في التعامل مع الفنّ، وأدركت قدرته على أن يكون متنفسًا لي عندما أشعر بالإحباط أو عندما أشعر بأن الحياة تعيسة.
وسرعان ما أصبحت مفتونًا بكافة أشكال الفنّ، من الجداريات إلى النقوش وحتى فنّ الشارع، ولقد كرست عملي في تلوين الجدران. وحين بدأت العمل كمستشار مع الشباب الذين عانوا من الصدمات النفسية، أدركت أن للفنون تأثيرًا قويًّا كأداة علاجية، ووسيلة لهم لتركيز طاقاتهم على الإبداع والمشاركة بشكل إيجابي مع الآخرين. قادني ذلك إلى دمج اهتماماتي - الفنّ الجداري مع العمل المجتمعي - وبدأت رحلتي في إنشاء الفنّ في الأماكن العامة مع الجماعات المستضعفة
س 3: حدثنا عن مبادرات فنّ الأماكن العامة في المجتمع، وكيف بدأت؟
بدأت برئاسة مشاريع جدارية مع الأطفال في الولايات المتحدة ثم في البرازيل، وكنت دائمًا أتعاون مع المنظمات الشعبية. في ريو دي جانيرو، كنت أقضي جزءًا من كل عام أعيش فيه مع عائلة في منطقة وعرة تسمى مدينة الرب (سيداد دي ديوس)، حيث مررت بآثار مأساوية لجماعات تخلت عنها الدولة، إذ تسيطر عصابات المخدرات على المنطقة، والعنف شائع فيها، لكن يوجد فيها أشخاص رائعون ودافئون وموهوبون ومليؤون بالطاقة الإبداعية. لقد شحذت حرفتي، واكتشفت طرقًا جديدة ومثيرة لإشراك الراغبين في الرسم الجماعي، مما وفر منصة لهم لاستكشاف القضايا الأكثر أهمية في حياتهم.
بعد مشاركة هذه المشاريع على الإنترنت، بدأت في تلقي دعوات لقيادة مشاريع مماثلة في مجتمعات في جميع أنحاء العالم، من بولندا إلى كينيا إلى السلفادور حتى الهند، وفي النهاية عملت في 30 دولة، بما في ذلك مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، حيث اشتعلت شرارة الإلهام المبكر لتشكيل المنظمة.
كالي، كولومبيا 2020: تعاون جويل مع الشباب المحليين وفنّانو كالي تيكا لإنشاء لوحة جدارية للوحدة في مواجهة الانقسامات العنيفة وكراهية الأجانب في مجتمع أغوبلانكا. الشركاء: Artolution، Fundación Pintuco، Centro Cultural Colombo Americano. بإذن من الفنّان.
مخيم الزعتري للاجئين السوريين، الأردن، 2014. "حلمي ..." رسم الأطفال السوريون أحلامهم في المستقبل داخل أشكال هذه الجدارية. اللوحة بإذن من الفنّان.
س4: كيف يمكن للفنّ مساعدة المجتمع المهمش؟
يُسمح للمشاركين برواية قصصهم الخاصة وتشكيل هويتهم من خلال صناعة الفنّ الجماعي. ويعتبر أمر مهم جدًا للجماعات التي همشها المجتمع، كما يحدث في كثير من الأحيان، يستوعب الناس هذه التسميات السلبية، وخاصة الشباب. توفّر الفنون - وخاصة الفنّ الذي تم إنشاؤه في الأماكن العامة - منصةً للناس للتعبير عن هويتهم وما يطمحون إليه.
س 5. كيف يمكن للفنّ أن يساعد في تآلف الناس وتواصلهم؟
يمكن لصناعة الفنّ الجماعي أن يساعد في التقاء الناس من أجل مهمة مشتركة، وهناك لا يوجد رابح أو خاسر أو خصوم، إنما الجميع في نفس الفريق. يجب عليهم أن يعملوا معًا للوصول إلى رسالتهم التي يرغبون في مشاركتها مع العالم، واتخاذ قرارات جماعية حول أفضل السبل لتنفيذ رؤيتهم. من خلال هذه الرحلة، يجب على المشاركين تقديم الأسباب لدعم آرائهم والاستماع إلى الآخرين وتقديم بعض التنازلات، وهي كلها مهارات مهمة في الحياة.
الظليل، الأردن. اللوحة بإذن من الفنّان.
س 6. أي من اللوحات الجدارية تشعر أنها تركت أثرًا كبيرًا عليك أو على الآخرين؟
هناك الكثير منها ومن الصعب الاختيار، لكن أذكر واحدة دائمًا ما أتشبث بها، إنها في حي كيبيرا الفقير في نيروبي، كينيا، حيث عملت لمدة شهرين مع مجموعة من الأطفال والفنّانين عام 2013، وذلك من خلال الفنون العامة والعروض الفنّية. فقد كان توجهنا نحو الدفاع عن حق الانتخابات السلمية في ذلك العام. وشهدنا انقسامات عميقة في المجتمع، كان من الممكن أن تؤدي إلى عنف عرقي، كما حدث سابقًا.
لطالما تردد شعور حقيقي بين الشباب بأننا نعمل من أجل التغيير المجتمعي من خلال العمل الفنّي. بعد سنوات، ظهر مراهق اسمه عاموس، وهو الآن شاب يعمل في أكاديمية الأداء والفنون الخاصة به في كيبيرا للأطفال. أنا شخصيًا أدعم برنامجه المذهل، والذي يخدم عشرات الأطفال، ويخلق إحساسًا حقيقيًا بالمجتمع والعمل من أجلهم. أشعر بالفخر أكثر عندما أرى الأطفال الذين يشاركون، ويستلهمون، ثم يكبرون ليحدثوا تأثيرًا من أجل الأجيال القادمة!
س 7. حدثنا عن الورش الفنّية والتعليمية التي تقدمها للاجئين في المخيمات.
نقيم برامجنا Artolution على مدار العام في مخيم الزرقاء للاجئين السوريين في الأردن، وذلك بالتعاون مع اليونيسف، حيث يقود عشرة فنّانين سوريين مشاريع جدارية مع الأطفال، يوجهونهم عبر عملية التصميم ورسم الجداريات التي تعبر عن أحلامهم وثقافتهم وإنسانيتهم نحو العالم.
نحن نقود برامج مماثلة في مخيمات الروهينجا في بنغلاديش، ومخيمات جنوب السودان، والكونغوليين في أوغندا، وكلها بقيادة فنّانين لاجئين محليين. تركز هذه الأنشطة على التعلم الاجتماعي والعاطفي، حيث يدعم الشباب احترامهم لذاتهم وثقتهم بأنفسهم ومهاراتهم في اتخاذ القرار. يتعلمون التنقل في ميكانزيم المجموعة وتكوين علاقات واعية مع الآخرين.
هذه المهارات تكون ذات بعد حيوي للشباب - وخاصة أولئك الذين عانوا من الصدمات النفسية والنزوح- ليتحولوا بنجاح إلى شباب بالغين إيجابيين في المجتمع.
جويل بيرجنر مع طفلة لاجئة سورية، 2017، اللوحة بإذن من الفنّان.
جويل بيرجنر مع طفلة لاجئة سورية، 2017، اللوحة بإذن من الفنّان.
جويل بيرجنر مع طفلة لاجئة سورية، 2017، اللوحة بإذن من الفنّان.
س 8. كيف يمكنكم الحفاظ على تأثير المشاريع؟
تم تصميم برامجنا Artolution لتكون طويلة الأجل ومستدامة. كما أن العديد من الفنّانين اللاجئين والمهمشين، كانوا معنا منذ سنوات، وهم يقودون عشرات المشاريع مع مئات الأطفال في مجتمعاتهم.
يعد هذا النهج طويل الأجل أمرًا حيويًا لإحداث تأثير حقيقي، ولكنه يتطلب عملاً مستمرًا لضمان حصولنا على التمويل للحفاظ على استدامة هذه البرامج.
س 9. لماذا تميل إلى استخدام الألوان الزاهية في الجداريات؟
أستخدمها لأنني أجدها تعطي حياة للمساحات، وتشد انتباه الناس، ولأنني أعمل مع الأطفال والشباب الذين ينجذبون بشكل طبيعي نحو الألوان النابضة بالحياة.
س 10. ما العمل الفنّي الذي يمنحك السلام والفرح؟
هناك لوحة أحبها في لندن، رسمها شباب مشردون سابقون من بلدان مختلفة، تمنحني الفرحة لأنها تظهر شابًا لديه مكبر صوت عملاق، لكن الشاب مركبٌ من عشرات الأشخاص الأصغر حجمًا، مما يدل على أن أصواتنا تكون أكثر قوة عندما نكون متحدين.
لندن، المملكة المتحدة، 2015: تم إنشاء هذه اللوحة الجدارية على Village Underground الشهيرة في Shoreditch من أجل قمة الطفولة المشردة، وهو حدث جمع بين شباب مشردين سابقًا من البرازيل وباكستان وبوروندي. تعاون جويل مع الشباب والفنّانين المحليين بيك دينيسون وميغان أومالي. الشريك: Street Child United. بإذن من الفنّان.
س 11. ما هي الزخارف أو المواضيع، التي تعرضها دائمًا في فنّك؟ ولماذا؟
أركز كثيرًا على الصور الكبيرة والأيدي كذلك، حيث أستطيع التعبير عن الإحساس بالإنسانية المشتركة والتواصل الذي يمكن أن يصل للناس في جميع أنحاء العالم، على الرغم من كل اختلافاتنا، فإنه يمكننا تجسير الهوة بيننا إذا كنا منفتحين على بعضنا بعضًا.
س 12. ما الذي ترجو تحقيقه من خلال عملك؟
آمل أن أحقق تغييرًا حقيقيًا في حياة المشاركين والفنّانين الذين يعملون معنا، وأن أطور نماذج يمكن لها أن تحيا، وتكون مثالًا عن كيفية تأثير الفنون عليها.
س 13. هل هناك أي خطط مستقبلية؟ أي معارض، أو أي عمل جديد، أو ورش فنّية؟
سأستمر في دعم وزيارة فرقنا في جميع أنحاء العالم. آمل بشكل خاص أن أزور أولئك الذين لم أرهم منذ عدة سنوات بسبب الجائحة، كما هو الحال في أوغندا وبنغلاديش وكولومبيا. لقد انتهيت للتو من رسم جدارية جديدة هنا في واشنطن العاصمة، حيث أقيم حاليًا.
مخيم الزرقاء للاجئين السوريين، الأردن (2018): أب وابنه يتواصلان عبر فجوة بين الأجيال، متلهفين إلى الحب العائلي في لحظات الصراع الكبير للشعب السوري. اللوحة بإذن من الفنّان.
أطفال الروهينجا مع الجدارية. بإذن من الفنّان.