مُدننا، حِكاياتنا – مَدينة أبْها

حاتم الأحمد فنّان تشكيلي، يعيش ويعمل في مدينة أبها، ويشتهر بأسلوبه المتفرد الذي يجمع بين العديد من أنواع الفنّ، لوحاته تستكشف غموض خياله الإبداعي. تعكس لوحات الأحمد تأملاته في المجتمع وحالة العالم المحيط به، حيث تستلهم مواضيع لوحاته من ثقافة المجتمع وحالته المعاصرة، وصولًا إلى البيئة وتسبب تغير المناخ في حرائق الغابات المحيطة بمدينة أبها البهية. تتضمن أعماله العديد من التكوينات الفنّية والتشكيلية الفريدة والمتنوعة، وجمال لوحاته يكمن في تفاصيلها.

تجري إثرائيات حوارًا مع الفنَّان حاتم الأحمد، يتحدث فيه عن جمال مدينته التي تعدّ من أهمّ المصائف والمدن السياحية في المملكة، وعن نشأته فيها، وكيف ساهمت بيئة هذه المدينة المتنوعة والخلابة في إطلاق حسه الفنّي.

س 1. في البداية، حدثنا عن مدينتك أبها، وكيف أثرت على حسك الفنّي؟

لمدينة أبها طابع متفرد ثقافيًا وبيئيًا، موقعها الرائع يجمع العديد من البيئات المتنوعة التي من شأنها تكوين طابع مميز على المستوى الإنساني، لذلك أجد في مدينة أبها بيئة خصبة تنطلق منها ممارساتي الفنّية، حيث لتلك المدينة أبعادًا تجمع ما بين وفرة في التنوع الفطري والمواد الطبيعية والخام، وبين الموروث الإنساني المتنوع الذي يتأسس على فرادة الطبيعة الجغرافية ومدى تأثير مناخها المتنوع. تمدّني تلك الوفرة بقدرة كبيرة في تناول مختلف القضايا البيئية بشكل بصري معاصر، انطلاقًا من الماضي وعبورًا إلى المستقبل. لهذا كانت فكرة العمل في أبها كفنّان بصري معاصر خيارًا إيجابيًا مواكبا لتطلعاتي الفنّية.

س 2. ما الذكرى المفضلة لك من نشأتك في مدينة أبها؟

أعتبر نشأتي في مدينة أبها أمرًا مميّزًا وخصوصًا على الصعيد الفنّي، لاسيما أنّ تلك النشأة كانت في قرية (المفتاحة) التشكيلية. تلك الفترة من أجمل الفترات التي بدأت بها التعرف على الفنون، وتلقي كل ما هو أساسي ضمن هذا المجال، حيث كانت القرية مكانًا لالتقاء الفنّانين، والأدباء ومختلف الشرائح الثقافية في منطقة عسير ومن خارجها. أجد فيها ذكريات تشعرني بتفاؤل نحو مستقبل الثقافة والفنون في المنطقة الجنوبية بشكل عام

س 3. هل يمكنك أن تحدثنا عن خلفيتك وكيف بدأت كفنّان؟

بدأت ممارساتي الفنّية عن طريق الملاحظة والتجريب، والعمل على تنمية الجانب المعرفي والعملي، كأحد المنتسبين لقرية المفتاحة التشكيلية. ثم أصبح لتلك الممارسات ثباتًا أكبر وإقبالًا أوفر على صعيد الفنون وعلاقتها بمستقبل البيئة. ليكون هذا الثبات والإقبال ناتجين عن العمل الجماعي الذي تشكل عند تأسيس استديو (فاي)، الذي أنشأته صحبة فنّانَين هما: سعيد جبعان وجميلة ماطر، لنحظى بمساحة ذات أبعاد معرفية وتقنية ذات توجه تعاوني، يهدف إلى المساعدة في تنمية الفنون المعاصرة بمدينة أبها.

س4. ما هو المكان المفضل لديك في مدينة أبها؟ ولماذا؟

من المثير للاهتمام في مدينة أبها، أنّها تضم بيئات متنوعة، تحوزها بمجرد أن تصل إليها. حيث يتميز موقع أبها بأنّه بيئة جبلية مطلة على السواحل والسهول، وقريب من الصحراء. لهذا التنوع ميزة في كسر الرتابة في المعيشة، وتحقيق مفهوم مختلف حول النظر إلى طبيعة الأماكن وطريقة الاهتمام بها. لذلك، أجد أفضل بقعة أحب زيارتها هي المزارع التي تبعد عن محترفي مسافة قليلة، حيث أجد لقاءً مميزًا ما بين العمارة الحديثة والمزارع التي تحمل لمحة من الماضي. كما أجد في تلك المنطقة، بيئة خصبة للبحث والعمل على إيجاد روابط وثيقة بين الفنون المعاصرة وارتباطها بالبيئة من حيث الشكل والتطبيق.

س5. ماذا يعني لك الفنّ؟

أجد في الفنّ مساحة واسعة يمكن من خلالها البحث في طرق وأساليب الحياة. حيث أصبح للفنون المعاصرة نظرة شاملة تعنى بالعديد من جوانب الحياة، ومحاولة التقاطها بشكل قابل للظهور ضمن إطارات ذات وسائط مختلفة من حيث التكوين، ولكن تتفق على الوضوح والوصول لكافة أطياف المجتمع. لذلك أجد أن الفنّ مساحة خصبة يمكن من خلالها تحقيق ما نستطيع وما لا نستطيع تخيل حدوثه. فالفنّ برأيي مصطلح غير معرف، مما يجعل منه مختلفًا وعابرًا للثقافات والحدود.

س 6. من هو الفنّان الذي تعتبره قدوتك في الفنّ؟

لكل حقبة توجهها الفنّي، وآثارها وتاريخها من تجارب الفنّانين، التي تجعل من الصعب على الفنّان التفكير في قدوة معينة، ولكن أجد في ممارسات بعض الفنّانين جوانب مثيرة للاهتمام حيث أرى تلقائية Wolfgang Laib، أمرًا محفزًا للبحث في التفاصيل والتمسك بجذور المفاهيم والأفكار. وأجد أنّ الممارسات الأخرى التي تناقض تلك البساطة أمرًا جيدًا، من حيث الشكل والتطبيق، إذ أرى في أعمال Anselm Kiefer بعدًا ذا معنى مرتبط بأصالة الأفكار. طريقة نقلها بشكل معاصر توضح أثر الماضي على تكوين مجريات الحاضر، وطريقة عودة الإنسان إلى نقطة الصفر بشكل دائم. دائمًا أجد في ممارسات أي فنّان جوانب تجعل من أعماله ذات طابع له رونقه وفرادته.

س7: كيف تؤثِّر اللُّغة العربيَّة والشِّعر والثَّقافة والأدب على عملك؟ لماذا؟

للغة العربية طابع أدبي يجعل منها لغة تستطيع وبكل سهولة أن تعبر إلى العديد من المجالات المعرفية، لذلك، أجد نفسي متوافق مع التعبير بها على الصعيد الشخصي. كما أجد في الشعر والأدب العربي العديد من الجوانب، التي يمكن لها أن تتحول من الثقافة المسموعة إلى بعدٍ متجسد بأشكال ذات مرونة، تجعل من تحول تلك الموضوعات إلى شكل بصري أمرًا مثيرًا للاهتمام، ويقرب الثقافات الأخرى من الإبحار في الثقافة العربية، واكتشاف العديد من جوانبها. قد تقترب أعمالي بشكل أو بآخر من المواضيع الأدبية، كوني مهتم بشكل أكبر بمستقبل البيئة وطريقة الإنسان في التعامل معها.

س 8. ما العمل الفنّي الذي رسمته (أو تملكه) ويجلب لك أكبر قدر من السعادة، ولماذا؟

تجربة المعرض الفردي الأول من أمتع التجارب التي عملت عليها، حيث كانت التجربة أشبه برحلة تجمع نتاج المراحل السابقة وتضعها ضمن إطار مناسب، يجعل من تلك التجربة ذات أهمية تنعكس على رؤيتي لممارساتي وتوقعها في المستقبل. كان المعرض الفردي الأول لي تحت عنوان (لمَ الخوف من البلل)، يقدم المعرض نظرة عن فقدان الأمل في مستقبل أفضل للبيئة في ظل التدهور الذي نشهده بسبب بعض الممارسات البشرية التي تضر بالمحيط ككل.
وتلا ذلك المشروع، ثبات أكبر من حيث المواضيع التي أعمل عليها، ضمن إقامة مساحة أو في معارض جماعية كمعرض (ابحث عني بين الضباب).

أعمل الآن على بعض المشاريع الفنّية بين مدينة الرياض وبين جدة. ستظهر في الوقت الملائم. حيث أرى كم المرونة بين خططي المستقبلية على الصعيد الشخصي والفرص التي من شأنها دعم مسيرتي كفنّان.

أبها من أجمل الأماكن وأكثرها إثارة للاهتمام في المملكة العربية السعودية، وهي تستحق الزيارة حقًا للاستمتاع بجمالها الطبيعي والتاريخي.