نحن نعد شيئًا رائعًا من أجلك.

ثقافةُ الفَنِّ
A-
A+
لقاءٌ خاص

ثقافةُ الفَنِّ

ثقافةُ الفَنِّ

المجسم الفنّي للفنّان السعودي راشد الشعشعي، "تكوين (2021)". حيث تم إنشاؤه برعاية من هيئة تطوير بوابة الدرعية من أجل بينالي الدرعية للفنّ المعاصر الافتتاحي.

بقلم ريم الغزال
December 20th, 2022
"واحدة من أكثر الطرق جذبًا للاهتمام والتي ألاحظها في مجالي، هي الطريقة التي ينظر بها الفنّانون والمبدعون الشباب بشكل متزايد إلى تاريخنا وتراثنا بحثًا عن أفكار جديدة. نحن نشهد نهجًا جديدًا تمامًا وإحياءً لتقاليدنا في وقت واحد"
داليا موسى، مدير عام الفنون - هيئة تطوير بوابة الدرعية

لا يوجد هناك أفق محدود في الفنّ الإبداعي، وعندما نتعمق في أصل المصطلح، فإنّ كلمة (الفنّ) تعني في الأصل المهارة أو الحرفة، ثم تطورت بعدها لتشمل القدرة على المعرفة والتعلم. من المهم من حين لآخر أن نتفكّر في الأمور المسلَّم بها، كالفنّ والإبداع والخلود.

في مقابلة حصرية بإثرائيات، نلتقي الأستاذة داليا موسى، مدير عام الفنون في هيئة تطوير بوابة الدرعية، للحديث عن أهمية الفنّ وقوّته في العلاج، وتطور الفنّ السعودي، ويا لها من فرصة عظيمة أن تكون فنّانًا في المملكة.

كانت الدرعية من الأماكن الملهمة لدور الأستاذة داليا موسى، لأنها أرض تاريخية للعديد من القصص، وهي تعرف باسم "جوهرة المملكة". ظهرت الدرعية في عام 1446م، على ضفاف وادي حنيفة وأصبحت عاصمة الدولة السعودية الأولى في عام 1727م.

ويعتبر موقع الطريف بالدرعية (المدرج في التراث العالمي لليونسكو منذ 2010)، رمزًا لتاريخ هذا البلد الغني، والملاذ الحقيقي للتراث الوطني والكنوز المحفوظة في المتاحف المفتوحة. بينما يعد قصر سلوى أكبر بناء قائم في الموقع التراثي التاريخي، وهو موطن الملوك والأبطال.

وفيما يلي مقابلتنا مع الأستاذة داليا موسى، مدير عام الفنون بهيئة تطوير بوابة الدرعية:

الأستاذة داليا موسى، مدير عام الفنون بهيئة تطوير بوابة الدرعية.

س 1. لماذا يعدُّ الفنّ مهمًا في حياتنا؟

يشكل الفنّ جانبًا أساسيًّا من جوانب الثقافة، ويلعب دورًا حيويًّا في حياتنا. والفنّ بارز الأهمية في كثير من الطرق المختلفة والمترابطة. مما يعني أنه وسيلة اتصال، وتبادل رسائل، ويتشاطر رؤيتنا للعالم، ونظرتنا للماضي، وتطلعنا للحاضر، وترقبنا للمستقبل.

إنّه مصدر إلهام للمجتمع، فيجمع الناس معًا في تجربة مشتركة، للاستفادة من عطاء الفنّانين والجمهور من خلال مناهج أصيلة. كما أنّه شكل من أشكال التقدم، فأفضل الإنجازات البشرية كانت في المجال الفنّي.

دعونا لا نتغاضى عن الجمال والمتعة، فهما يعتبران في حد ذاتهما، استجابة فعالة مهمة تصب في الإبداع.

غذاء الفكر للفنّانة مها ملوح "أبراج (2016)".

س 2. حدثينا عن قطعة فنّية أو قطعتين كانت لهما أهمية خاصة في حياتك المهنية؟

أشعر باعتزاز كبير كل يوم في مشواري من وإلى المكتب، كلما مررت بجانب المجسم الفنّي للفنّان السعودي راشد الشعشعي، "تكوين (2021)". تم إنشاء المجسم برعاية من هيئة تطوير بوابة الدرعية، من أجل بينالي الدرعية للفن المعاصر الافتتاحي، وهو مثال جميل لما نطمح إلى تحقيقه في بوابة وزارة الثقافة، ويكرم تراثنا الثقافي، ويجعله أيضًا مصدر إلهام للمستقبل.

يضم العمل الفنّي المجسم أربع بوابات تمثل الأئمة الأربعة، وهم مؤسسو الدولة السعودية الأولى. في الصباح، يتخلّل ضوء الشمس نسيج النخيل. وفي المساء، تنبض الحياة في العمل الفني بألوانه الهادئة. كم يغمرني هذا العمل بالإيجابية.

هناك عمل فنّي آخر مهم فعلًا في مسيرتي، هو غذاء الفكر للفنّانة مها ملوح "أبراج (2016)". وهو العمل الأول الذي عهد لفنّانة سعودية معاصرة في مجال الفنون في الأماكن العامة المملكة العربية السعودية. يتألف العمل الفنّي من مجموعة أوانٍ مصنوعة من الألومنيوم، تحاكي قصة الهُويّة الثقافية والتراث، وتحتفي بالتاريخ السعودي، وتقاليد الضيافة، والإفادات الشخصيّة التي أجدها مؤثرة جدًا.

ولأنّي امرأة سعودية، ورائدة في مجال الفنون والثقافة، أفخر دائمًا بالعمل عن كثب مع هؤلاء الفنّانات والفنّانين الذين ساهموا في صناعة المشهد الفني والثقافي في المملكة محليًا وعالميًا، لقد شَرُفت بالإسهام في تحقيق هذا العمل المهم في عملي السابق لدى مؤسسة جميل للفنّ.

س 3. لماذا دخلت مجال الفنّ؟ حدثينا عن دورك قليلاً؟

أعتبر نفسي محظوظة، لأنّ العمل في المجالات الإبداعية كان طريقًا واضحًا بالنسبة لي منذ الصغر. لدي خبرة في الفنون الجميلة والتصميم الجرافيكي، لذلك كان الإبداع محط تركيزي دائمًا. ثم أكملت بعد ذلك درجة الماجستير في إدارة مجالات الفنون والتصميم، والتي تغطّي عدة مجالات، مثل: ريادة الأعمال الإبداعية، وإدارة الفنون. إنّه لشرف عظيم أن أقضي حياتي العملية في الوقت الحالي، في دعم المسيرات الوظيفية لأفراد آخرين في المجالات الإبداعية في المملكة.

بصفتي مدير عام الفنون في بوابة الدرعية، أعتبر نفسي مسؤولة عن تطوير مجموعة من المبادرات والبرامج والفعاليات الفنّية والثقافية عبر المخطط الرئيسي، بما في ذلك وسائل الإعلام التقليدية منها والمبتكرة. كما أن التواصل مع الفنّانين والأفراد المبدعين، هو أفضل جزء في مهنتي. إضافة إلى تنمية وتطوير شراكات إستراتيجية مع المؤسسات الثقافية والفنية الوطنية والدولية.

أكثر ما يلهمني في عملي، هو أنّ الدرعية هي مسقط رأس المملكة، وأول عاصمة للدولة السعودية الأولى. إنّها أرض ملوكنا وأبطالنا. لذا أراه شرفًا كبيرًا حقًا أن أكون جزءًا مهمًا منها، وخلفًا للجهود المبذولة لصدارة الدرعية كعاصمة للثقافة العربية في 2030.

س 4. ما هي المفاهيم المغلوطة عن الفنّ السعودي؟

في العقد الأخير أو نحو ذلك من مسيرتي المهنية، عملت كثيرًا مع شركاء دوليين، ومن واقع خبرتي رأيت بعض المفاهيم التي تكونت بشكل مغلوط لدى الناس من مختلف بقاع العالم عن الفنّ السعودي. كما أعتقد بشكل عام أنّ هذه المفاهيم تقوم على أمرين: أنّ الفنّ السعودي هو فنّ تقليدي فقط يقوم على التاريخ والتراث والوسائط التقليدية؛ وكذلك اعتماد المشهد الفنّي في المملكة على أفكار مستوردة أو على أفراد قدِموا من الخارج.

في الواقع، لدينا مشهد فنّي مزدهر وطويل الأمد من المبدعين المحليين والمتخصصين في الفنون، هم الآن في طليعة المساهمين في تحديد وإعادة تعريف المجالات الإبداعية في المملكة، وأنا دائمًا مدهوشة من مدى ريادتهم وابتكارهم الفكري الإبداعي.

س 5. أخبرينا عن قوة العلاج بالفنّ؟

أعتقد أنّ تأثير الفنّ على عواطفنا أمر مؤكد وبديهي، فقط ألقي نظرة على متلازمة ستاندال! لقد كُنت مهتمة مؤخرًا بخبر دعوة منظمة الصحة العالمية إلى "ثورة العلاج بالفن". إذ يعتمد برنامجهم على أدلة تثبت فاعلية النتائج الصحية، والقدرة على التعافي من الأمراض والإصابات، في حال دخلت الفنون إلى الأنظمة ومراكز العلاج.
 

س 6. ما هي نصيحتك للفنّانين الجدد؟

أود أن ألفت انتباه أي شخص مهتم بالمجال الفنّي، بأنّ مفتاح النجاح هو الإبداع والشغف والإصرار وإتقان المعرفة. إنّها ركيزة مهمة في رؤية 2030، من خلال التشجيع وتمكين الإبداع في المملكة، لذلك هناك مجموعة رائعة من المبادرات، والفرص المتاحة لأولئك الذين يرغبون في التعلم واكتساب الخبرة وتطوير مهاراتهم.

وأضيف بأنّ الفنّانين الناشئين في المملكة العربية السعودية، في مكان مهم عالميًا في الوقت الحالي، بسبب الدعم الكبير والمتنوع المقدم من القطاعين العام والخاص – متمثلًا في برامج التعليم، إلى برامج بناء القدرات، إلى المنح الدراسية، إلى الإقامات الإبداعية. وأنصحهم بالاستفادة حقًا من هذه الحقبة المذهلة في بلدنا، والفرص المقدمة من وزارة الثقافة على وجه الخصوص، فقد حان الوقت لذلك.

المجسم الفنّي للفنّان السعودي راشد الشعشعي، "تكوين (2021)". حيث تم إنشاؤه برعاية من هيئة تطوير بوابة الدرعية من أجل بينالي الدرعية للفنّ المعاصر الافتتاحي.

س 7. كيف تطور الفنّ السعودي؟ إلى أين يتجه مستقبل الفنّ في السعودية برأيك؟

تاريخيًا، كان المشهد الفني الثقافي للمملكة ذا اهتمام فردي إلى حد كبير. لكنه تطور بعد ذلك مع الرؤية الواضحة في الريادة لعام 2030، مما خلق زخمًا كبيرًا داخل القطاع الثقافي في المملكة. بدءًا من الفعاليات المحلية والوطنية الجديدة، إلى أماكن الإقامة والاستوديوهات والمعارض بالإضافة إلى برامج التدريب، فجاء الترحيب بهذه الفعاليات الجديدة من قبل الممارسين المبدعين. إنّه وقت خصب للغاية للفنون والثقافة في مملكتنا.

كما أعتقد أنّ هناك تحولًا مجتمعيًا جاريًا في المملكة العربية السعودية، من خلال الطريقة التي يُنظر بها إلى المهن الثقافية. وهذا يشجع موجة جديدة من الشباب للدخول في المشهد الثقافي من بابه الواسع. وواحدة من أكثر المجالات التي ألاحظها دائمًا والمثيرة للاهتمام، تلك الطريقة التي ينظر بها الفنّانون المبدعون بشكل متزايد إلى تاريخنا وتراثنا بحثًا عن أفكارهم الجديدة. نحن نشهد نهجًا مغايرًا تمامًا مع إحياء تقاليدنا في وقت واحد.

نشكر الأستاذة داليا موسى على وقتها، ومنحنا رؤية عميقة قيمة عن الفنّ السعودي، وكيف أنه يستمر في إلهامنا، فهو يغذي إبداعنا، ويثير إعجابنا، ويربطنا جميعًا بقصص جميلة متعددة الأشكال.

[متلازمة ستاندال (تُنسب إلى الروائي الفرنسي في القرن التاسع عشر) هي حالة نفسية جسدية تتضمن سرعة ضربات القلب والإغماء وحتى الهلوسة، ويُزعم أنّها تحدث عندما يتعرض الأفراد لأشياء أو أعمال فنّية أو مظاهر ذات جمال عظيم أو تنتمي لعصور قديمة] [لمزيد من المعلومات حول برنامج منظمة الصحة العالمية، اضغط هنا].

إعادة تعيين الألوان