أعمال فنيّة عليكم معرفتها
"تصنيف الألوان بناءً على نظام السيد شيفرول"، طباعة من تنفيذ رينيه هنري ديجون، مستوحاة من صورة لـ م. إي. شيفرول؛ اللوحة الثانية من كتاب ظواهر الفيزياء (1868) — المصدر، نُشر في The Public Domain Review.
الفنّ هو نبض الحياة، والحياة تنعكس في الفنّ. في هذا الركن الخاص من كلّ إصدار، نسلّط الضوء على أعمال فنّية تركت أثرها في العالم، سواء بإلهام أشكال جديدة من الإبداع، أو بإطلاق العنان لفنانين جدد، أو حتى بإعادة تشكيل نظرتنا إلى الفنّ وطريقة صناعته.
الفنّ ليس مجرد إبداع بصري، بل هو فلسفة ورحلة استكشاف تمتدّ بين الواقع والخيال، تدفعنا أحيانًا إلى تجاوز حدود أفكارنا، وإعادة النظر في طريقة تعبيرنا عن ذواتنا وقصصنا.
في هذه الرحلة نسلّط الضوء على ثلاثة أعمال فنّية وحكاياتها، لكلّ منها أثر لا يُمحى في عالم الفنّ.
تعكس هذه اللّوحة في جوهرها ما تراه تمامًا: مربّع، دون أن ترمز إلى شيء آخر. في عام 1913، كتب كازيمير ماليفيتش (1879–1935): "وفي أثناء سعيي الحثيث لتحرير الفنّ من عبء الواقع، وجدت في المربع ملجأً لي".
وُلد ماليفيتش في كييف التي تُعرف اليوم بأوكرانيا، لعائلة بولندية الأصل، ويُعتبر مؤسّس حركة السوبرماتية، وهي اتجاه فنّي ظهر في أوائل القرن العشرين، وركّز على الأشكال الهندسية الأساسية.
كان لهذه الحركة الفنية تأثير عميق على الفن التجريدي، إذ تقوم على مبدأ تفوق الألوان والأشكال في الرسم. من خلال استخدام الأشكال الهندسية الأساسية وقلّة الألوان، يتمكّن الفنان من التركيز على جوهر اللوحة نفسها، دون الانشغال بسرد قصة، أو تصوير مشهد، أو منظر طبيعي، أو شخص.
شكّلت السوبرماتية حجر الأساس الذي قامت عليه العديد من الحركات التجريدية والمفاهيمية، ما أحدث تحولًا جذريًّا في عالم الفنّ.

كازيمير ماليفيتش، 1915، المربّع الأسود السوبرماتي، زيت على قماش الكتان، 79.5×79.5 سم. المصدر: معرض تريتياكوف، موسكو.
تُبرز هذه اللوحة تأويلًا مميّزًا للمشهد الصحراوي الذي نشهده يوميًّا في بعض مناطق السعودية.
"لقد أوليت اهتمامًا بدراسة اللون، وتكوين البيئة الصحراوية، سواء من حيث الشكل أو المحتوى، من خلال تأثير الشمس القوي في المشهد الصحراوي، ما أدّى إلى تلاشي القيم اللونية، وهو تأثير شائع في اللوحات الانطباعية. للتعويض عن ذلك استخدمت الألوان البرونزية إلى جانب الألوان الأساسية، مع التركيز على درجاتها الدافئة، لنقل انطباع واقعي عن قوة الشمس، ومدى تأثيرها في طبيعتنا. وإذا كان لا بدّ من تسمية هذا الاتجاه الفنّي يمكننا أنْ نطلق عليه (فنّ الصحراء)".
الراحل محمد السليم، "كلمة من أجل الفن"، المصدر: الرياض - الجمعية العربية السعودية للفنون، 1976 (12-16).
عُرف الفنان السعودي محمد السليم (1939-1997) بأسلوبه الفنّي المميّز "الآفاقية"، الذي استوحاه من محبته للصحراء ومشهد الغروب فيه والتّدرجات اللّونية المرافقة له. تشكّل أعماله فرصة رائعة لإعادة اكتشاف المشهد الطبيعي السعودي من منظور جديد وفريد.
يجسّد العمل الفنّي 1986 المعروض هنا تفسيرًا مبتكرًا لأفق الكثبان الرملية البعيدة، مستخدمًا كتلًا لونية منسجمة، تُترجم المشهد الصحراوي بأسلوب تجريدي متفرّد.
يعدُّ محمد السليم من أوائل الفنانين الذين أقاموا معرضًا فنيًّا في الرياض عام 1967. جمع في أعماله بين التجريد الحداثي، والعناصر المستوحاة من الحياة اليومية في السعودية.
وفي عام 1979، أسّس دار الفنون السعودية، أول صالة للفنّ في الرياض، ليكون مساحة إبداعية تتيح للفنانين اللقاء وعرض أعمالهم، إلى جانب توفير مستلزمات فنّية نادرة في المملكة آنذاك.

يعكس العمل الفنّي "بلا عنوان" للراحل محمد السليم (1986) ، رؤية تجريدية لأفق الرياض المتوهّج وسط الصحراء، حيث تمتزج الحداثة بجمال الطبيعة. يُعدّ السليم من روّاد الفنّ التجريدي في السعودية، وقد صنع التاريخ في عام 2023 عندما أصبحت إحدى لوحاته أول عمل فنّي سعودي يتجاوز سعره مليون دولار في مزاد، متخطّيًا تقديراته الأولية بسبعة أضعاف. المصدر: Sotheby's.
كلما ألقينا نظرة على إحدى لوحات مونيه شهدنا جوهر الفنّ يتجسّد في تناغم ساحر بين الألوان والضوء.
يقول الرسام الفرنسي كلود مونيه رائد الحركة الانطباعية: "عندما تخرج للرسم، لا تفكّر في ما تراه أمامك كونه شجرة أو منزلًا أو حقلًا. بدلًا من ذلك ركّز على الألوان والأشكال فقط: هنا بقعة زرقاء، هناك مستطيل وردي، وهنا خطّ أصفر. ارسمها كما تبدو لعينيك، بالشكل واللون الحقيقيين، حتى تعكس انطباعك الصادق عن المشهد."
نشأت الحركة الانطباعية في فرنسا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وما تزال واحدة من أكثر الحركات الفنّية شعبية وتأثيرًا حتى اليوم.
تميّزت هذه الحركة بكونها أول شكل من أشكال الفنّ الحديث الذي ركّز على جوهر عملية الرسم، وخاصة تأثيرات اللون والضوء، بدلًا من الموضوعات التقليدية. لم تكن لوحات الانطباعيين تعليقًا على القضايا السياسية أو الاجتماعية، بل كانت تجربة بصرية تهدف إلى إبراز سطح اللوحة نفسه من خلال ضربات الفرشاة الجريئة والألوان المشرقة.
بهذا أحدثت الانطباعية ثورة حقيقية في عالم الفنّ مقارنة بالحركات السابقة مثل الواقعية والطبيعية. ومع انضمام العديد من كبار الفنانين لهذا النهج، مهّدت الطريق لظهور حركات جديدة مثل: الوحشية (الفوفية)، والتكعيبية، والتعبيرية، فقد حرّرت الفنّ من كونه مجرّد محاكاة بصرية للواقع، ووسّعت آفاق الإبداع إلى ما هو أبعد من التصوير التقليدي.

كلود مونيه، Les Glacons، 1880. الصورة مقدّمة من متحف أورسيه، توزيع RMN-Grand Palais، بعدسة باتريس شميت. تمّ نشرها سابقًا في عدد "نسيج".
يتميّز تاريخ الفنّ بتنوعه وثرائه، إذ تمتلك كل ثقافة وجغرافيا إرثها الفنّي الفريد. في هذا الإطار استعرضنا ثلاث لوحات لفنانين مختلفين، لكلّ منها طابعها الخاص، ما يفتح آفاقًا جديدة لفهم الفنّ من زوايا متعدّدة.